ستعود البواخر قبالة معامل الكهرباء، ولكنّها هذه المرّة ستخصّص لتحويل الغاز الطبيعي من سائل إلى غاز، وتخزينه، قبل تغذية معمل دير عمار به دوناً عن غيره من معامل إنتاج الكهرباء. فالعقل السياسي في وزارة الطاقة والمياه قرّر الإعراض عن منطقة الجنوب، ونقل مشروع إنشاء محطة التغويز من الزهراني إلى دير عمار، ما أدّى إلى نسف دراسات عمرها سنوات وتضييع وقت ومال عام سيُصرف مرّة ثانية على استشارات ودراسات جاهزة أصلاً.
من دون مرفقات أو دراسات أو ملخصات، أحالت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، إلى الوزراء الأعضاء طلب وزارة الطاقة الموافقة على مشروع إنشاء وحدة عائمة لاستيراد الغاز وتخزينه وتحويله إلى غاز طبيعي المعروفة بـ«FSRU»، وإعادة تأهيل معمل كهرباء دير عمار ليعمل على الغاز الطبيعي بدل الديزل، وإنشاء معمل جديد لتوليد الطاقة (دير عمار 2). وبالفعل، عقدت الجلسة يوم الأربعاء الماضي، ومرّ المشروع الممول من المؤسسة الدولية للتمويل «IFC» بلا نقاش.
وقال مطلعون لـ«الأخبار» إنّ المشروع حُوّل إلى مجلس الوزراء لإقرار تنفيذه وفقاً لمبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص «Public-Private Partnership PPP»، لذا لن يحتاج إلى المرور عبر هيئة الشراء العام. ولاختصار الطرق وبسبب عدم وجود أموال لدى المجلس الأعلى للخصخصة لتمويل الدراسات الجديدة، والتي تبلغ 175 ألف دولار لدفتر الشروط إضافةً إلى مليون دولار ثمناً للدراسات الخاصة بالمشروع، طلب المجتمعون من مؤسسة التمويل الدولية «IFC» تكليف استشاري لوضع دفتر الشروط والدراسات التقنية والبيئية والاستشارية اللازمة، على أن تقوم وزارة الطاقة والمياه بتأمين مبلغ أولي قيمته 75 ألف دولار في البداية، وقبل التلزيم.
باختصار، هكذا حصلت «التهريبة» التي اعتمدتها وزارة الطاقة والمياه لتغيير وجهة المشروع من إنشاء المحطة العائمة مقابل معمل دير الزهراني إلى دير عمار، ولتبديد المال العام بالدفع مرّة ثانية على مشروع قطع أكثر من نصف الطريق نحو التلزيم عام 2022 مع وزير الطاقة والمياه السابق وليد فياض. والآن وفي حال إقراره في مجلس الوزراء، سيُستكمل المشروع من دون تطوير معمل الزهراني أو ربط معامل توليد الكهرباء الموجودة على الساحل في الجيّة والذوق بخط الغاز، وسيكون خارج تحكم الدولة تماماً، لأنّ تمويله الدولي فرض إخراج الحكومة من الصورة للسير في المشروع، إذ تحوّلت إلى زبون يشتري الغاز.
تقنياً، وبحسب عضو هيئة إدارة البترول وسام الذهبي «علينا إيقاف الاعتماد على النفط وإيصال الغاز إلى معمل الزهراني أيضاً، إما عبر منصة عائمة ثانية FSRU، أو عبر أنابيب ساحلية، فهذه الخطوة قادرة على تحقيق وفر سنوي قيمته 100 مليون دولار في معمل دير عمار وحده». والمشروع المطروح الآن على طاولة البحث ينقسم إلى 3 أجزاء، يقول الذهبي، وهي إقامة المحطة العائمة لتغويز الغاز السائل المستورد، وتأهيل معمل دير عمار ليعمل على الغاز الطبيعي، وإنشاء معمل جديد بقدرة تزيد على 800 ميغاواط لتوليد الكهرباء إلى جانب معمل دير عمار، أو ما يُعرف بدير عمار 2.
إنّما «يعود إلى الدولة القرار بالسّير في مشروع واحد كبير للتحوّل إلى الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة بدلاً من النفط، أو تقسيم المشروع إلى 3 أجزاء وفقاً للمطروح حالياً». أما تمويل شراء الغاز في حال إقامة المشروع، فيشير الذهبي بأنّه سيكون على عهدة مؤسسة كهرباء لبنان المستفيد الأول من الغاز الطبيعي.
من جهة ثانية، وبعكس المطروح حالياً، والمحدود في إفادة معمل كهرباء واحد من الغاز الطبيعي، وهو معمل دير عمار، اندرج المشروع السابق الذي حمل اسم «محطة الزهراني للغاز الطبيعي المسال» ضمن خطة أوسع لتحويل معامل إنتاج الكهرباء إلى الغاز الطبيعي بدلاً من الفيول، وصدر دفتر شروطه عام 2022. والاتفاقية التي كانت قيد الإعداد مع الشركات العالمية، والمعروفة باسم اتفاقية تزويد الغاز «Gas Supply Agreement GSA»، تمتد على 10 سنوات.
وهي مشابهة للاتفاق الذي يُعدّ الآن. إذ كان المشروع مصمماً وفقاً لصيغة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، المعروف بـ«Public-Private Partnership PPP». وكانت الشركة الفائزة ستتولى: تصميم المشروع وإنجاز الدراسات الهندسية، تمويل كامل أعمال الإنشاء والتجهيز والتشغيل، تأمين الباخرة العائمة للتخزين وإعادة التغويز. في المقابل، كانت الدولة، وعبر وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط، تسدد ثمن الغاز فقط.
بمعنى آخر، مرحلة الدراسات كانت منجزة في المشروع الأول، وكان المشروع برمته مرشحاً للانتقال إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة التلزيم والبدء بالعمل. ولكن، ومن دون أيّ مبرّر تغيّرت وجهة المشروع كلّياً، من الزهراني إلى دير عمار، ومن الاستفادة من الغاز الطبيعي لكلّ منشآت توليد الطاقة المنتشرة على الساحل، فضلاً عن إفادة المصانع من المقترح إلى الاقتصار على إمداد معمل دير عمار بالغاز فقط. وهنا تطرح أسئلة عن مصادر الغاز الذي سيستورده المشغل، وهل الغاز الإسرائيلي سيدخل إلى لبنان من هذا الباب، خاصةً وأنّ حقول إنتاج الغاز لدى العدو قريبة من لبنان، ما يخفف من تكلفة النقل على المشغل. ولماذا طرحت فكرة إعادة العمل على هذا المشروع الآن، ومن باب دير عمار في شمال لبنان، لا الزهراني في جنوبه؟



