قسوة الجفاف تنغص على مزارعي لبنان موسم إنتاج الزيتون

يشهد لبنان هذا العام تراجعا غير مسبوق في إنتاج الزيتون، بسبب تأخر الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، حيث لا يتجاوز المحصول 20 في المئة مقارنة بالمعدل السنوي المعتاد، وفق تقديرات الجمعيات التعاونية الزراعية ووزارة الزراعة اللبنانية.

ويمثل هذا التراجع وفق الجهات المعنية إنذاراً مقلقا لأحد أهم أعمدة الاقتصاد الريفي، إذ يعتمد آلاف المزارعين والعائلات في مختلف المناطق على الزيتون كمصدر رزق أساسي.

وبعد مواسم وفيرة كانت تغدق بخيراتها القرى من مناطق الشمال إلى جنوبه، جاء هذا الموسم ليحمل تراجعا مؤلما في الإنتاج انعكس مباشرة على دخل المزارعين وأسعار الزيت في الأسواق المحلية.

وإلى جانب هذه المعاناة الخاصة التي يعيشها المزارعون في الجنوب، هناك معاناة عامة تشمل الجميع، أبرزها ارتفاع كلفة الإنتاج، أي أسعار الأسمدة والمبيدات والوقود، فضلا عن كلفة النقل والري خاصة مع شح المياه، والتي أصبحت عبئا كبيرا.

وأوضح المهندس عماد معلوف لوكالة شينخوا أن هذا “التراجع الخطر وغير المسبوق” يعود لندرة وتأخر الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في فترات التزهير وظهور الآفات.

وتطرق إلى ضعف عمليات العناية بالأشجار نتيجة الأزمة الاقتصادية التي حدت من القدرة على الحراثة والتقليم وشراء الأسمدة والمبيدات.

وقال “كل ذلك جعل من موسم الزيتون لعام 2025 الأضعف منذ أكثر من نصف قرن، رغم أن لبنان ما زال يعد من الدول المتوسطية التي تتمتع بأصناف زيت عالية الجودة”.

وأضاف “الأزمة التي تمر بها البلاد منذ 2019، انعكست بشكل مباشر في قدرة المزارعين على العناية ورعاية بساتينهم بشكل عام”.

ويعد القطاع من أبرز مصادر الدخل في مناطق جنوب وشمال لبنان، إذ يعتمد عليه أكثر من 100 ألف مزارع.

واعتبر رشيد زويهد رئيس التعاونية الزراعية في حاصبيا شرق جنوب لبنان أن تراجع الإنتاج ينعكس على الدخل الفردي للمزارعين وعلى الأمن الغذائي بشكل عام، وعلى كمية الزيت المخصصة للتصدير والتي كانت تصل عادة إلى حوالي 10 آلاف طن سنويا”.

وقال “انخفاض الإنتاج هذا العام تسبب في ارتفاع أسعار الزيت، بحيث وصل ثمن سعر الصفيحة (16 كيلوغرام) إلى 180 دولارا، في حين لم يتجاوز سعرها العام الماضي 100 دولار.”

وتشكل الزراعة في لبنان ثالث أهم القطاعات الاقتصادية بعد الخدمات والصناعة، ويؤمن دخلا لنحو 15 في المئة من السكان، وتشمل المحاصيل الزراعية الرئيسية القمح والشعير والفاكهة والخضار والزيتون والعنب والتبغ.

وبدا المزارع حسان عمر الذي يملك عدة بساتين زيتون في منطقة العرقوب شرق جنوب لبنان، قلقا ومنهكا من التراجع الكبير في محصوله هذا العام.

وقال “إنتاجي السنوي من الزيت كان بين 100 إلى 125 صفيحة سنويا لتتراجع الحصيلة هذا العام إلى 11 صفيحة فقط، لا تسد كلفة العناية بالبساتين.”

المنتجون، وخاصة في مناطق الجنوب يكابدون مشقة درئ الخسائر في موسم هو الأسوأ منذ نصف قرن، بينما المعاصر تعمل بنصف طاقتها أو أقل

كما أشار المزارع نجيب خوري من بلدة كوكبا إلى أن إنتاجه تراجع 80 في المئة عن العام الماضي، ما أوقعه بخسائر فادحة يعجز عن سدادها.

وقال “الكثير من المزارعين تخلوا عن قطاف حقولهم، بسبب كلفة اليد العاملة المرتفعة (أجرة العامل 25 دولارا) التي تفوق ثمن إنتاجها في هذه الفترة، فبقيت ثمارها على الأشجار دون حصاد.”

ويطالب المزارعون من الجهات المعنية بالعمل لإنقاذ القطاع عبر خطة شاملة تتضمن تحديد حجم الخسائر وتقديم مساعدات عينية للمزارعين وتطوير شبكات الري وتدريب المزارعين على التقنيات الحديثة في العناية بالأشجار.

وقال وزير الزراعة نزار هاني إن “تراجع الإنتاج سببه الرئيسي التغير المناخي وندرة الأمطار، ويلي ذلك العدوان الإسرائيلي الذي جرف وأحرق عشرات حقول الزيتون واقتلع مئات الأشجار ومنع المزارعين من الوصول إلى حقولهم والعناية بها وجني ثمارها”.

وأضاف لشينخوا إن “المساحة المغطاة بأشجار الزيتون بحدود 590 كيلومتراً مربعاً، ما يمثل 5.6 في المئة من أراضي البلاد، أو 9 في المئة من إجمالي الأراضي الزراعية، ليصل معدل إنتاجها السنوي المعتاد 120 ألف طن ومن الزيت بحدود 30 ألف طن”.

وفي إحصاء أولي لوزارة الزراعة بالتنسيق مع تعاونيات الزيتون، أشار إلى تراجع غير مسبوق في الإنتاج هذا العام، بحيث سجل 14 إلى 17 ألف صفيحة زيت فقط.

ويرى المزارع جمال ضاهر أن السبب الأول في تدني الإنتاج يعود لقلة الأمطار في فصل الربيع، ثم جاءت موجات الحر وأحرقت قسما من الثمار”.

590 كيلومترا مساحة بساتين الزيتون، أي 9 في المئة من إجمالي الأراضي الزراعية، ما يجعلها تنتج 120 ألف طن و30 ألف طن من الزيت

أما السبب الثاني فهو الأزمة التي تعصف بالبلد التي حالت دون تمكن المزارع من شراء الأسمدة أو رش المبيدات كما يجب.

واستطرد ضاهر “حتى أجور العمال عجزنا عن دفعها، ما أدى لترك الكثير من المزارعين لبساتينهم دون قطاف لأن الثمار لا تغطي تكاليف القطاف والنقل والعصر”.

وقال إن “الزيتون كان مصدر رزقي الوحيد، والآن بالكاد أغطي احتياجاتنا المنزلية مما جعلني أشعر بالعجز، خاصة عندما أرى تعب سنة كاملة ضاع بهذه السهولة.”

ويشير راجح حمدان صاحب معصرة زيتون إلى أن “كافة المعاصر تعمل هذا الموسم بنصف طاقتها فقط. كنا عادة نستقبل يوميا بين 30 و40 طن زيتون، هذا العام بالكاد نصل إلى 15 طن حتى جودة الزيت، تأثرت بسبب الحرارة العالية وقلة الري”.

وتابع “هناك طلب كثيف على الزيت يفوق العرض، بحيث بتنا غير قادرين على تأمينه رغم سعر الصفيحة المرتفع والذي تجاوز 180 دولارا، واستطرد قائلا الجميع في هذا الموسم خاسر من المزارع إلى صاحب المعصرة إلى المستهلك وحتى التاجر.”

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالذهب يواصل الصعود لليوم الرابع بفضل ضعف الدولار وآمال خفض الفائدة
المقالة القادمةازدهار قطاع الرياضة يدعم أداء اقتصادات المنطقة العربية