لغز تأخير الباخرة الكويتية: الأموال موجودة والعتمة حاضرة

أكثر من 40 مليار دولار صُرِفَت في قطاع الكهرباء ولا زلنا ننتظر وصول شحنات المحروقات بنوعيها، الفيول أويل والغاز أويل، لزوم معامل إنتاج الكهرباء. وإذا تأخّر وصول الشحنات التي تأتي “بالقطّارة”، يُهَدَّد البلد بـ”العتمة الشاملة” التي باتت شعاراً لبيانات مؤسسة كهرباء لبنان. ولا يبدو أنّ المعضلة ستُحَل قريباً، مع أنّ المؤسسة تفيد بتحسّن مستوى جبايتها، الذي مكّنها من الوصول إلى مرحلة استيراد المحروقات من مالها الخاص، عوض انتظار السلفات من الخزينة العامة. ومع ذلك، لا تزال المحروقات تتأخّر، واللبنانيون لا يحظون بأكثر من 4 ساعات كهرباء، مهدَّدة بالتناقص، ما لم تأتِ الشحنات في مواعيد قصيرة الأجل. وآخر فصول حكاية المحروقات، هو تأخير وصول الشحنة الكويتية.

إنذار بالعتمة

كان من المفترض ما بين 5 و8 كانون الأول الجاري، وصول الباخرة التي تحمل شحنة غاز أويل من الكويت، ضمن شحنة الـ132 ألف طن التي قدّمت الكويت نصفها كهبة للبنان، للمساهمة في تفادي الوقوع في العتمة. على أنّ النصف الثاني من الحمولة، ستدفع مؤسسة كهرباء لبنان ثمنه.

لكن بحسب المؤسسة، “طرأ تأخير على موعد تسليم الشحنة المعنية، إذ بات من المرتقب أن تصل إلى المياه الإقليمية اللبنانية بتاريخ 12/12/2025 ظهراً”، وفق بيان للمؤسسة، ذكرت فيه أنّ هذا التأخير “انعكس سلباً على خزين مادة الغاز أويل لدى مؤسسة كهرباء لبنان، لا سيما في كل من معملي الزهراني ودير عمار، إذ تدنى بشكل حاد جداً وشارف على النفاد”. وكإجراء روتيني في هذه الحالة، تقوم المؤسسة “باتخاذ إجراءات احترازية لإطالة فترة إنتاج الطاقة قدر المستطاع”، فتحوِّل التغذية بشكل أساسي “للمرافق الحيوية الأساسية مثل المطار، المرفأ، مضخات مياه، والصرف الصحي…”.

وفي حال تأخُّر وصول الشحنة المنتظرة، تُنذر المؤسسة بالعتمة الشاملة. ولتجنّبها قامت المؤسسة “بوقف مجموعة إنتاجية واحدة في معمل الزهراني، بصورة قسرية، بعد ذروة ليل الأربعاء الواقع فيه 10/12/2025، للمحافظة على خزينه، والإبقاء على مجموعة غازية واحدة في معمل دير عمار مع نصف مجموعة بخارية”.

أسباب مجهولة

رغم تحذيرها من العتمة الشاملة، لا تعرف المؤسسة أسباب تأخير وصول الشحنة، فتؤكّد مصادر في المؤسسة أنّ “لا فكرة لدينا عن سبب التأخير”. وتشير في حديث لـ”المدن” إلى أنّ المؤسسة قامت بحصّتها من المسؤولية عبر “فتح الاعتماد المالي للباخرة منذ أسبوعين، بقيمة 35 مليون دولار، دفعت من الواردات الخاصة للمؤسسة عبر مصرف لبنان”.

تنتظر المؤسسة وصول الباخرة يوم غد، إلاّ أنّ مصادر في وزارة الطاقة، أكّدت أنّ “تأخيراً حصل في موعد وصول الباخرة، ومن المفترض أن تصل خلال 4 أيام”. وتوضح المصادر في حديث لـ”المدن”، أنّ التأخير حصل “لأسباب تقنية وبسبب الطقس”. لكن في المحصّلة “الباخرة ستأتي”. ولفتت المصادر النظر إلى أنّ الوزارة “ستصدر بياناً توضح فيه باقي التفاصيل”.

وأبعد من ذلك، لا يعني وصول الباخرة حلّ أزمة الكهرباء شبه المعدومة. فوصول الباخرة يحافظ على الساعات الأربع التي تنتجها المعامل راهناً، لكن رغم شحنة الباخرة فإنّ “مخزون مادة الغاز أويل يكفي في أفضل الأحوال حتى تاريخ 9/1/2026″، بحسب ما تبلّغته وزارة الطاقة من مؤسسة الكهرباء في وقت سابق، ما يعني ضرورة تأمين شحنات غاز أويل إضافية في أقرب وقت. وفي حال عدم تحقيق ذلك، فلن تتوفّر ساعات إضافية من الكهرباء خلال فترة الأعياد.

ومرّة أخرى، تبقى أسباب التأخير مجهولة، ليظلّ تأمين المحروقات لمعامل الإنتاج خاضعاً لمسار مبهم، مع أنّ الأموال موجودة لدى المؤسسة، والمسار القانوني سالك من جهة الوزارة التي تقوم تقنياً باستيراد المحروقات لصالح المؤسسة، وهو مسار يحاول وزير الطاقة جو الصدي تغييره من خلال “ترتيب الإجراءات القانونية اللازمة لجعل مناقصات الاستيراد بيد المؤسسة، طالما أنّها هي مَن يدفع ثمن المحروقات، وهي التي تنتج الكهرباء وتجبي الفواتير”، وفق مصادر في الوزارة ذكّرت بأنّ الوزير “أطلق مناقصة طويلة الأمد لمدة 6 أشهر، ومن المقرّر فضّ عروضها في 12/12/2025″، وذلك لتلافي نفاد المحروقات قبل إجراء مناقصات تأمين شحنات جديدة.

هي دوّامة مستمرة منذ عقود. مناقصات قصيرة الأجل ونفاد مفاجىء للمحروقات، تضع اللبنانيين أمام تهديد بالعتمة. وإذا كانت الأسباب في الماضي تتعلّق بعدم توفّر الأموال لدى مؤسسة الكهرباء نتيجة التعرفة المنخفضة، ما دفع وزارة الطاقة لطلب سلفات خزينة لشراء المحروقات، فإنّ مالية المؤسسة تحسّنت منذ رفع التعرفة، ومع ذلك، لا زال التأخير قائماً والعتمة حاضرة.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةالمصارف تستغل الفراغ: أرباح جديدة من فروقات الفائدة
المقالة القادمةمفارقة موسم الأعياد: وافدون كثر وتأجير سيارات لا يزيد عن 30%