جلسة “الفجوة” تُعمّق الاعتراضات: مشروع مستورد بلا نكهة لبنانية

في زمن الميلاد، حيث تحضر معاني الخلاص والتجدد، لا يزال لبنان يترقب ولادةً جديدة، ولو كانت قيصرية، بعد عقود من الأزمات المتراكمة، التي لم تُتح له أي هدنة حقيقية، بل لاحقت اللبنانيين من جيلٍ إلى جيلٍ. وبينما يعلّقون آمالهم على “هدايا العيد” بإصلاحات مالية واقتصادية ونزع السلاح غير الشرعي، تبقى هذه الأمنيات جالسة على شرفة الانتظار، في ظل تباطؤ الدولة في تحويل نواياها السيادية – السياسية إلى أفعال متجسدة تواكب انتظارات المواطنين الملحّة من جهة، وتتماهى مع إيقاع المتغيرات الإقليمية المتسارعة من جهة أخرى.

وبين عامٍ يطوي أيامه وآخر يُطلّ بثقله، بما قد يحمله من تطورات حاسمة على مستوى السلاح والمفاوضات ومآلات الحرب، دخل مشروع قانون الفجوة المالية ساحة المنازلة الداخلية، وسط اعتراضات متنامية شعبيًا وسياسيًا ومصرفيًا، في ظل مطالب متصاعدة بإدخال تعديلات جوهرية تحفظ الحدّ الأدنى من الحقوق وجنى أعمار اللبنانيين المودعين.

في قصر بعبدا، التأم مجلس الوزراء أمس، لبحث “مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع”، على أن تُستكمل مناقشته اليوم في جلسة تُعقد في السراي الكبير. وقد شارك في الجلسة حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، بعد اجتماع تمهيدي بين رئيسي الجمهورية العماد جوزاف عون والحكومة نواف سلام.

في هذا السياق، كشف مصدر واسع الاطلاع لـ “نداء الوطن” أن “مشروع القانون ليس سوى نسخة طبق الأصل عن الوصفة التي وضعها صندوق النقد الدولي، والتي التزمت بها وزارة المالية بالكامل منذ انطلاق مسار التفاوض مع الصندوق”، موضحًا أن “الصيغة المطروحة أمام مجلس الوزراء تعكس التزامات خارجية واضحة، أكثر مما تعبّر عن رؤية لبنانية مستقلة تأخذ بالاعتبار، خصوصية الأزمة، وتقدّر حجم تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية”.

وأشار المصدر إلى أن “النقاشات داخل مجلس الوزراء، رغم الجدية التي ميّزت مداخلات عدد من الوزراء، خصوصًا وزراء “القوات اللبنانية” الذين طرحوا ملاحظات بنيوية تتعلّق بتوزيع الخسائر وضمان حقوق المودعين، لن تفضي في نهاية المطاف إلى أي تعديل فعلي في جوهر المشروع أو فلسفته”، لافتًا إلى أن “هذه النقاشات، مهما علا سقفها، تبقى محكومة بسقف سياسي صارم يمنع المسّ بالمرتكزات الأساسية التي يقوم عليها القانون، كونه جزءًا لا يتجزأ من سلّة التزامات تعهّدت بها الدولة أمام الجهات الدولية المعنية بالملف اللبناني”.

وقال المصدر إن “اتفاقًا ضمنيًا وراسخًا يجمع الرؤساء الثلاثة على تمرير مشروع القانون في مجلس الوزراء ومن ثمّ في مجلس النواب كما هو، من دون إدخال تعديلات جوهرية عليه، باستثناء بعض التعديلات الشكلية أو المرتبطة بالمصطلحات والصياغات، بما لا يغيّر في المضمون أو النتائج المتوقعة”، معتبرًا أن “هذا التفاهم السياسي هو ما يفسّر سرعة مناقشة المشروع، ويرسم سلفًا مسار إقراره، بصرف النظر عن أي اعتراضات أو تحفظات تُسجَّل داخل الحكومة أو خارجها”.

وأكد أن “ما يثير القلق هو حصر الاهتمام الرسمي بتنفيذ الالتزامات الخارجية والسعي إلى إرضاء صندوق النقد الدولي، من دون مقاربة جدّية للتداعيات الداخلية الخطيرة التي قد تترتب على تطبيق هذا القانون، لا سيما لجهة حقوق المودعين والاستقرار الاجتماعي والثقة بالنظام المالي”. وذكّر بأن “الدولة اللبنانية تبقى المسؤول المباشر عمّا آلت إليه الأمور، نتيجة سياساتها المالية المتعاقبة وإدارتها الخاطئة للمال العام على مدى سنوات”. وشدد على أن “تحميل المودعين والمصارف الكلفة الأكبر، من دون مساءلة حقيقية للدولة ومؤسساتها، يشكّل استمرارًا للنهج نفسه الذي أوصل البلاد إلى الانهيار”.

عون متفائل

وخلال الجلسة، أعرب الرئيس عون عن أمله في أن “يشهد العام المقبل ولادة دولة المؤسسات. ونهاية للجرح النازف في الجنوب”، وأن “يعود أهلنا إلى مناطقهم، ويعود الأسرى، ونشهد إعادة الإعمار ووقف الاعتداءات”. وأشار إلى أن “الأرقام مشجعة” بعد مرور نحو عشرة أشهر على تشكيل الحكومة. وفيما قلل عون من احتمالات نشوب حرب، رأى أنه “رغم التهويل والشائعات حول اندلاع حرب، استقبل لبنان أكثر من 400 ألف وافد، وشهد مظاهر فرح واحتفال في مختلف مناطقه، ما يعكس مؤشرات إيجابية على صعيد التعافي”. في المقابل، يرى مراقبون أن بهجة العيد ليست أمرًا غريبًا عن ثقافة اللبنانيين، لكن لا ينبغي لمظاهر الفرح أن تُخفي الحقيقة الأساسية: لا استقرار فعليًا، ولا بيئة استثمارية سليمة، في ظل بقاء سلاح “حزب الله” خارج إطار الدولة.

المراسيم والاصطياد بالماء العكر

وفي مستهل الجلسة، شدد رئيس الجمهورية على أنه لا يمكن لوزير إيقاف مراسيم وقرارات يتخذها مجلس الوزراء، بل يجب أن تسلك هذه المراسيم مسارها اللازم. ولفت إلى “أن نظامنا ديمقراطي برلماني، وبالتالي فإن النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان”، موضحًا أنه “لا يقف مع طرفٍ ضد آخر”. وفي ما يتعلّق بالملاحظات حول تجميد بعض المراسيم، أوضحت مصادر مطلعة أن وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي لم يحضر الجلسة بسبب إصابته بزكام حاد، وهو ليس المقصود بالإشارة إلى تعطيل المراسيم، مؤكدة أن لا مراسيم عالقة في الخارجية. واعتبرت أن الزج باسمه في هذا السياق يهدف إلى النيل من مواقفه السيادية، من قبل من وصفتهم بـ “المصطادين في الماء العكر”، مشدّدة على أن الوزير رجّي على تناغم تامّ مع الرئيسين عون وسلام.

من جهته، اعتبر الرئيس سلام أن مشروع قانون الانتظام المالي وإعادة الودائع المطروح ليس مثاليًا، لكنه واقعي، وأهم ما فيه هو أنه قابل للتنفيذ ضمن الإمكانات المتوافرة للدولة، وهدفه إنصاف المودعين وإعادة التعافي للقطاع المصرفي. وشدد سلام على أنه “كلما تأخرنا في إقرار هذا القانون، فلن تتآكل ودائع الناس وحدها، بل كذلك ثقة العالم بنا”. وتوجه إلى الوزراء بالقول: “إذا كان لديكم مقترحات لتحسينه أو تعديله، فنحن منفتحون على الأخذ بها”.

اعتراض “قواتي”

ملف الفجوة المالية لم يكن الطبق الإشكالي الوحيد على طاولة الوزراء، إذ سجّل وزراء “القوات اللبنانية” اعتراضًا لافتًا على تعيين ماجد مكيّه رئيسًا لمؤسسة “إيدال”، وزينة زيدان وعباس رمضان نائبين للرئيس، إضافة إلى تعيين أربعة أعضاء هم: روني سرياني، ريم درباس، حسن صليبي، وفادي صليبي. واعتبر وزراء “القوات” أن هذه التعيينات تمّت خارج إطار الآلية المعتمدة، ما يطرح علامات استفهام حول المعايير التي تم اعتمادها.

إيطاليا باقية جنوب الليطاني

أما على جبهتي الميدان والتفاوض، وفيما شن الجيش الإسرائيلي غارة على سيارة في منطقة القنيطرة قرب صيدا، ما أدى إلى سقوط نحو ثلاثة قتلى، أبلغ الرئيس عون، وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو، خلال استقباله في قصر بعبدا بحضور وزير الدفاع اللواء ميشال منسى، أن لبنان يرحّب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة قد تحلّ محلّ “اليونيفيل” بعد اكتمال انسحابها في العام 2027، وذلك لمؤازرة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود الجنوبية، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي لا تزال تحتلّها. وكرر عون هدف لبنان التفاوضي المرتكز على وقف الأعمال العدائية، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وتأمين عودة الأسرى، وإعادة السكان الجنوبيين إلى قراهم وممتلكاتهم.

وكان الوزير الإيطالي قد استهلّ اللقاء بتهنئة الرئيس عون بحلول الأعياد، مؤكّدًا دعم بلاده للبنان في مختلف المجالات، مشيرًا إلى أن إيطاليا ترغب في الإبقاء على قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بعد انسحاب “اليونيفيل”، كاشفًا عن وجود دول أوروبية أخرى تبدي التوجّه نفسه.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةتحقيق عاجل بشأن انتشار الحمى القلاعية بين الأبقار
المقالة القادمةسباق بين قانون الفجوة والسلاح