اضطراب الإمدادات في البحر الأسود يضغط على أسواق القمح

شهدت أسواق القمح العالمية موجة جديدة من الاضطرابات مع تصاعد القلق بشأن الإمدادات نتيجة الهجمات الأخيرة في منطقة البحر الأسود، والتي تمثل إحدى المناطق الحيوية لتصدير الحبوب.

ومع تزايد التوترات وتأثر حركة الشحن، شهدت الأسعار ارتفاعًا ملموسًا، ما يعكس هشاشة الإمدادات العالمية واعتماد العديد من الدول على صادرات هذه المنطقة لضمان الأمن الغذائي.

وتؤكد هذه التطورات أن أي اضطراب في البحر الأسود يمكن أن ينعكس سريعًا على الأسواق الدولية، مضيفًا ضغوطًا جديدة على الدول المستوردة للقمح.

ويقول خبراء ومحللون إن هذا الوضع غير المستقر يفرض على صناع القرار والمستثمرين مراقبة تحركات السوق عن كثب للتعامل مع تداعيات محتملة على الأسعار وسلاسل الإمداد الغذائية.

وارتفعت العقود المستقبلية للحبوب والبذور الزيتية بشكل طفيف في الولايات المتحدة، إذ أدت الهجمات على البنية التحتية في أوكرانيا وروسيا إلى إثارة مخاوف جديدة بشأن صادرات المحاصيل القادمة من منطقة البحر الأسود الحيوية.

وزاد سعر القمح بما يصل إلى 0.8 في المئة ببورصة شيكاغو، منتعشا من أسوأ خسارة أسبوعية منذ أغسطس الماضي، والتي نتجت عن توقعات بوفرة الإمدادات.

كما صعدت أسعار العقود المستقبلية للكانولا، وهي بذرة زيتية منافسة لدوار الشمس، في نيويورك بما يصل إلى اثنين في المئة.

وقال أشيش أشاريا نائب الرئيس في باتانجالي فودز، التي تمثل أحد أكبر مشتري الزيوت النباتية في الهند، إن “الهجمات قد تؤثر على إمدادات زيت دوار الشمس أوكراني المنشأ المُصدّرة من أول سيدز وكبار المُصدّرين الآخرين، لاسيما للشحنات المتجهة إلى أوروبا والهند”.

وأضاف في تصريحات أوردتها وكالة بلومبيرغ الاثنين أن “الهجوم على إمدادات الغذاء في الآونة الأخيرة مروّع، وسيصبح الوضع أكثر صعوبة إذا تصاعدت الهجمات بشكل أكبر”.

وأعلنت روسيا أن هجوما بطائرات مسيرة ألحق ضررا بالبنية التحتية والسفن في منطقة فولنا على ساحل البلاد على البحر الأسود.

وتضم المنطقة ميناء تامان البحري، الذي يتولى مناولة منتجات تشمل الحبوب والأسمدة والنفط، إلا أن بيانا صادرا عن السلطات المحلية لم يحدد الهدف بدقة.

ويتزامن ذلك مع تكثيف موسكو الهجمات على الموانئ في منطقة أوديسا الأوكرانية على البحر الأسود، ومن بينها بيفدينيي، أكبر ميناء في البلاد.

وهوجم أيضا ميناء شحن تابع لشركة البذور الزيتية أول سيدز خلال نهاية الأسبوع الماضي، ما خلف أضراراً في المنشأة، بحسب المتحدث باسم نائب رئيس الوزراء أوليكسي كوليبا.

كما هاجمت روسيا ميناء بيفدينيي مجددا ليلاً، وفق كوليبا، واندلعت النيران في 30 حاوية محملة بالدقيق والزيت النباتي بعد الهجوم.

وتُعد أوكرانيا وروسيا مُصدّرتين رئيسيتين للحبوب وزيت دوار الشمس، ويهدد تزايد وتيرة الهجمات على البنية التحتية بإبطاء وتيرة الشحنات.

وتوقع المسؤولون في لوهانسك، إحدى المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا منذ اندلاع الحرب عام 2022، مضاعفة محصول القمح هذا العام وتصدير جزء منه.

ويعكس هذا الارتفاع السريع في الإنتاج الدور المتنامي لهذه المناطق في القطاع الزراعي الروسي، ويُظهر كيف تُدمج روسيا، أكبر مُصدّر للقمح في العالم، هذه المناطق ضمن إستراتيجيتها.

وذكرت وزارة الزراعة في أغسطس الماضي أن مناطق لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، التي تعتبرها روسيا “أراضيها الجديدة” ولكنها لا تزال معترفًا بها دوليًا كمناطق أوكرانية، ساهمت خلال العام الماضي بنحو 3 في المئة من محصول الحبوب الروسي.

ولولا ذلك لكان المحصول الوطني الضعيف، الذي انخفض بنسبة 14 في المئة بسبب سوء الأحوال الجوية في جنوب روسيا، أسوأ بكثير.

وقال ليونيد باسيتشنيك، رئيس الإدارة الروسية في لوهانسك، للصحافيين ووكالات الأخبار، بمن فيهم رويترز، في يوليو الماضي “نخطط هذا العام لحصاد حوالي مليون طن من الحبوب، معظمها قمح”.

وفي نشرتها الشهرية الصادرة مطلع ديسمبر رفعت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) توقعاتها لإنتاج الحبوب عالميا لعام 2025 إلى مستوى قياسي يتخطى 3 مليارات طن، مقارنةً مع 2.990 مليار طن متوقعة في نوفمبر، ويعزى ذلك أساسًا إلى زيادة تقديرات إنتاج القمح.

وعدلت المنظمة توقعات مخزونات الحبوب العالمية بنهاية موسم 2025 – 2026 بالزيادة إلى مستوى قياسي قدره 925.5 مليون طن، مما يعكس توقعات زيادة مخزونات القمح في الصين والهند، بالإضافة إلى ارتفاع مخزونات الحبوب الخشنة في الدول المصدرة.

وفي يوليو الماضي كشفت دراسة أن الظواهر المناخية غير الاعتيادية تسبب ارتفاعات مباشرة قصيرة الأجل في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وهو ما يدفع الأسر الفقيرة إلى نقل كميات أقل من الطعام.

0.8 في المئة نسبة ارتفاع أسعار القمح ببورصة شيكاغو، منتعشا من أسوأ خسارة أسبوعية منذ أغسطس الماضي

وربطت الدراسة التي أجراها مركز برشلونة للحوسبة الفائقة، عشرات الظواهر المناخية المتطرفة بارتفاعات حادة في أسعار المواد الغذائية، وهو ما يبرز ضعف صمود النظم الغذائية أمام الصدمات البيئية.

وسبق أن أظهرت الكثير من الدراسات تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل وتسببه في نقص الإمدادات الغذائية والتضخم العام في أسعار المواد الغذائية.

وعلى مدار سنوات رجّح الخبراء وتقارير المنظمات الدولية أن تكبل سلسلة الإمدادات العالمية ومشكلات الجفاف الذي يضرب مناطق كثيرة محاولات للحد سريعا من ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق بعد قفزات غير مسبوقة منذ نشوب الحرب في أوكرانيا.

وينبع هذا القلق رغم تأكيد البعض أن ثمة عوامل وراء هذه التقلبات الشديدة في أسواق السلع الأساسية إلى جانب تأثيرات الأزمة الصحية العالمية، منها العرض والطلب وتغير أسعار العملات والمواقف الجيوسياسية والسياسات الحكومية وأيضا النمو الاقتصادي.

وفي أسواق السلع الأخرى، واصل تجار فول الصويا متابعة ما إذا كانت الصين، أكبر مشترٍ في العالم للبذور الزيتية، ستواصل الوفاء بتعهدها الواضح لشراء فول الصويا الأميركي.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةاللعب على انقسام المودعين: رسائل الشارع تخدم المصارف