بدأ موسم الأعياد يحرّك الطلب بخجل على «حبشة العيد». تصنّف هذه السلعة من أصناف اللحوم غير المستهلكة بكثافة في لبنان، إذ يقتصر استهلاكها على عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة.
لذا، يمكن النظر إلى مؤشر استهلاك لحوم الحبش، الذي انخفض في بداية الأزمة، ثم بدأ يرتفع تدريجياً، باعتباره دليلاً إضافياً على واقعية مقولة حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة «بكرا بيتعودو»، ثم قدرتهم على التكيّف في العودة إلى الاستهلاك المفرط. كلفة الحبشة الجاهزة لا تتدنّى عن 150 دولاراً وقد تصل إلى 400 دولار ربطاً بوزن الحبشة ولائحة التقديم الكاملة. أسعار خيالية تجعل الاستمتاع بالأعياد وليمة مخصّصة للميسورين حصراً، بينما الحدّ الأدنى للأجور ما يزال عند حدود 312 دولاراً.
رغم تحوّل «حبشة العيد» إلى غذاء استهلاكي للميسورين حصراً، ازداد استيراد الحبش بنسبة 42% في 2025 مقارنة مع 2018، بحسب الأرقام الرسمية، علماً أن الزيادة بلغت 35% بين عامَي 2018 و2024. في عام 2024 استهلك لبنان نحو 122 طناً من الحبش الكامل غير المقطع، أي أقل بكثير من استيراد كميات لحوم الأبقار المجمّدة والتي بلغت 14 ألف طن في السنة نفسها.
وهذا الاستهلاك المتدنّي، يعود إلى عادات الأسر المقيمة في لبنان والتي تستهلك لحم الحبش في اجتماعات عائلية أثناء مدّة زمنية قصيرة تمتدّ على عدد قليل من أيام السنة لا يتجاوز العشرين يوماً، تبدأ من بداية عطلة عيد الميلاد، وتنتهي في العاشر من كانون الثاني تقريباً، وفقاً لما يقول عدد من أصحاب السوبر ماركت لـ«الأخبار».
إضافة إلى ذلك، فإن أسعار الحبش ليست مشجّعة على الاستهلاك الكثيف؛ يصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 7 دولارات مقارنة مع 4 دولارات لكل كيلوغرام من الدجاج.
وما يزيد من سعر الحبشة أيضاً هو وزن الطير الذي يُراوح بين 4 كيلوغرامات للطير الصغير، و12 كيلوغراماً للطير الكبير. في المقابل لا يزيد وزن «الفروج»، في أحسن الأحوال، عن 3 كيلوغرامات. بمعنى أوضح، قد يصل سعر الحبشة الواحدة من الوزن الكبير إلى 84 دولاراً، علماً أن متوسط السعر يتجاوز الـ50 دولاراً للواحدة، وهو مبلغ مرتفع لسلعة غذائية تستهلك في مناسبات خاصة، ما يؤدّي حكماً إلى تراجع استهلاك هذا النوع من اللحوم.
في العادة، يبدأ الإقبال على شراء «حبشة العيد» من السوبرماركت في منتصف كانون الأول. ويصف رئيس مجلس إدارة المخازن وضاح شحادي حركة بيع هذه السلعة بأنها «مش زيادة»، مؤكداً بأن موسم عرض هذه السلعة الغذائية في البرادات لا تتعدّى مدّته الزمنية الشهر الواحد تبدأ من النصف الثاني من كانون الأول وتنتهي في منتصف الشهر الذي يليه أي في كانون الثاني. أما الإقبال عليها، فهو يتفاوت بين منطقة وأخرى ربطاً بالتنوع الطائفي والعادات الاستهلاكية المرتبطة به، إذ يزيد الطلب على «حبشة العيد» في «المناطق المسيحية» يقول شحادي. وبحسب الأرقام، يتوقع شحادي بيع نحو 800 حبشة في شهر كانون الأول الجاري.
في السياق نفسه، يقول رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، إن مبيعات «حبشة العيد» في 2025 ازدادت بنسبة تُراوح بين 10% و15% مقارنة مع مبيعات 2024.
ويتركز المبيع في الفئة الصغرى من هذه الطيور والتي لا يزيد وزنها على 7 كيلوغرامات، فيما يكون الطلب على الفئات الكبيرة ذات الأوزان التي تُراوح بين 10 كيلوغرامات و12 كيلوغراماً أقل بكثير. أما بالنسبة إلى حجم الطلب من ناحية الأرقام والكميات، فلن يتضح قبل الثلث الأخير من كانون الأول الجاري، يقول فهد، نظراً إلى تزامنها مع عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة والزيادة في الطلب. وهذا الطلب مرتبط بشكل أساسي بالمستهلك المنزلي، ولا يرتبط بالمستهلك في المطاعم والمناسبات الخاصة التي تشتري الكميات اللازمة لها من مورّدين نصف جملة أو جملة.
وتعكس أرقام استيراد الحبش غير المقطع، توجهاً عاماً لدى التجار إلى تخزين هذه السلعة ابتداءً من أشهر الصيف، وتحديداً في شهري تموز وآب حتى يحين موعد البيع في عطلة الأعياد. إذ تدخل في أشهر الصيف كلّ الكميّة المستوردة من الحبش، والتي تكون «حبشة كاملة». وبحسب أرقام الجمارك، فإن متوسط الكميّة المستوردة سنوياً منها 167 طناً في السنوات العشر الماضية، بتكلفة وسطية تصل إلى 611 ألف دولار في السنة، ما يعني أنّ متوسط سعر الطن الواحد المستورد يساوي 3661 دولاراً.
وهذه الكلفة المرتفعة قد تفسّر إحجام المستهلك عن شراء الحبش خارج موسم الأعياد. لكن بشكل عام، لا تشير أرقام الجمارك إلى نمط محدّد في استيراد لحوم الحبش.
فهناك سنوات استورد فيها لبنان كميات كبيرة تصل إلى 238 طناً سنوياً، كما حصل في 2016، و380 طناً في 2017، بينما انخفض الاستيراد ولامس أدنى مستوى له في السنوات العشر الأخيرة في عام 2021 حين بلغ 61 طناً فقط. ربما قد يكون هذا المستوى المتدني في تراجع الاستيراد في السنوات اللاحقة لعام 2019، مرتبط بالانهيار النقدي والمصرفي، إلا أنّ أسعار الحبش العالمية كانت الدافع الأبرز لدى التجار في لبنان للاستيراد فوق حاجة السوق والتخزين من سنة إلى سنة.
مثلاً، حين بلغت الكمية المستوردة ذروتها عام 2017، وصل سعر طن الحبش إلى 3013 دولاراً، فدخل السوق 380 طناً من طيور الحبش المجمدة، وبلغت قيمتها مليوناً و145 ألف دولار. في المقابل، عندما ارتفعت أسعار الحبش العالمية، انخفض الاستيراد في لبنان. في عام 2018 بلغ سعر طن الحبش 3909 دولارات، فتراجعت الكمية المستوردة من 380 طناً عام 2017 إلى 85 طناً فقط.
ويذكر هنا أنّ نمط استيراد الحبش يتطابق مع مفاعيل الانهيار النقدي والمصرفي وانعكاساتهما على الاستيراد عموماً، إذ انخفض استيراد الحبش من 124 طناً عام 2019 إلى 82 طناً عام 2020، ووصل إلى أدنى مستوياته عام 2021 مع استيراد 62 طناً فقط.
ثم عاد استيراد الحبش إلى الارتفاع عام 2022 في تطابق تام مع نمط الاستيراد، وبلغ 164 طناً، ما يعني أنّه ارتفع بنسبة 164% في سنة واحدة فقط. أما الآن، فترتفع كميّة الحبش المستوردة باستمرار، ووصلت إلى 143 طناً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، وبذلك تجاوزت مجمل الكميّة المستوردة عام 2024، والتي وصلت إلى 122 طناً فقط.



