لم تبادر وزارة الداخلية بعد إلى إيجاد حل أو مخرج لإدارة المعاينة الميكانيكية. لكن الجديد كان تقديم شركة «جودة أبلوس»، التي سبق أن طعنت في نتيجة مناقصة تلزيم «المعاينة»، عرضاً لإدارة القطاع مجاناً، إلى حين إجراء مناقصة جديدة. كيف يمكن أن يسلك عرض كهذا طريقه إلى التنفيذ؟ وهل يشكل دافعاً لتحريك هذا الملف المجمّد منذ عام 2016؟
عام 2016، في ذروة الخلاف بشأن مناقصة المعاينة الميكانيكية، أوقف مجلس شورى الدولة تنفيذها ريثما يتخذ قراره في أساس دعوى الإبطال المقدمة حينها من تحالف «جودة – أبلوس» (عاد وأبطل، في العام 2018 قرار مجلس إدارة هيئة إدارة السير الموافقة على نتيجة المناقصة التي فاز بنتيجتها تجمع SGS)).
كانت النتيجة المباشرة لهذا القرار استمرار شركة «فال» التي كان عقدها قد انتهى بإدارة المعاينة، بحكم استمرارية المرفق العام.
حينها، كشف المدير العام لشركة «جودة»، الوزير السابق يعقوب الصراف، عن استعداد شركته لإدارة المعاينة مجاناً، إذ نص العرض على أن تكتفي وزارة الداخلية بدفع رواتب الموظفين وشراء قطع الغيار، فيما تتكفل شركته بالإدارة ومراقبة الجودة والصيانة من دون مقابل.
عملياً، لم يتغير شيء منذ ذلك التاريخ. لا نتيجة المناقصة نُفّذت، ولا مناقصة جديدة أطلقت، ولا حال المعاينة تحسّن. بل على العكس. لا تزال الشركة نفسها تدير القطاع من دون أي سند قانوني، ومن دون أي احتمال لتحسن الخدمات، علماً بأن ملف المناقصة القديمة لم يقفل نهائياً بعد (تقدمت هيئة إدارة السير بطلب إعادة محاكمة لم يُبتّ بعد).
الجديد أن وزارة الداخلية بدأت جدياً ببحث الخيارات الممكنة لمعالجة هذا الملف، ومنها استعادة الدولة للقطاع من الشركة المشغلة، علماً بأن هذا الخيار كان المطلب الأول لنقابات السائقين، منذ عام 2016، خصوصاً أن المراكز والمعدات صارت، منذ ما قبل ذلك التاريخ، مملوكة من قبل الدولة، ولا يوجد مبرر لتقاضي الشركة الحصة الكبرى من بدلات المعاينة، فيما الأوْلى أن تبقى هذه الحصة في جيوب المواطنين، أو تعود إلى الدولة بالكامل.
في ذروة تجدّد النقاش، أعادت شركة «جودة – أبلوس» تقديم عرضها القديم، فتوجهت برسالة رسمية، مؤرخة في 14/5/2019، إلى وزيرة الداخلية ريا الحسن، تعرض فيها «تقديم إدارة مراكز المعاينة الميكانيكية على سبيل الهبة». يركّز الطلب على حقيقة أن عقد تلزيم المعاينة الميكانيكية قد انتهت مدته في 31/12/2012 وآلت جميع التجهيزات والمعدات إلى الدولة اللبنانية، كما يذكر أن التمديد منذ ذلك الحين حتى تموز 2017، كان يتم بقرارات من قبل مجلس الوزراء، ما يعني أن المشغّل يعمل منذ نحو سنتين من دون أي سند قانوني، لكن وفق نظرية الاستمرار في عمل المرفق العام.
الداخلية تدرس العرض… والأولوية لمصير العمال
ولذلك، «وبانتظار إجراء مناقصة جديدة، تعرض الجهة المستدعية على وزارة الداخلية أن تتولى إدارة هذا المرفق لمدة ثلاثة أشهر على سبيل التطوع وبدون أي مقابل، وذلك وفق الآتي:
– تؤمّن المستدعية التشغيل والإشراف على كافة الأعمال المالية والهندسية والميكانيكية والإدارية لهذا المشروع.
– تعمل على تدريب وتأهيل الفريق العامل في المعاينة الميكانيكية.
– تسدد الدولة أجور العمال والمتعاقدين مباشرة.
– تسدد الدولة تكاليف الصيانة وتؤمن التجهيزات التي تطلبها الشركة».
هل يمكن أن توافق وزارة الداخلية على هذا العرض؟ لا إجابة حتى الآن من قبل الوزارة، التي نقلت العرض إلى هيئة إدارة السير لدرسه. لكن، بحسب مصادر متابعة، فإن المشكلة الأساسية في هذا العرض تتعلق بمصير العمال. فبأيّ سند قانوني ستدفع الوزارة للعمال مباشرة؟ هل سيتم إدخالهم إلى ملاك هيئة إدارة السير بعد توسيعه، أم سيصار إلى نقلهم إلى المشغل الجديد؟ في الحالة الأولى، هذه إجراءات معقّدة وتحتاج إلى مراسيم وقوانين عديدة. وفي الحالة الثانية، سيكون على المشغّل أن يتحمّل توظيف 500 موظف جديد، مع كل ما يتعلق بحقوقهم، ولا سيما منها الضمان الاجتماعي. فهل يمكنه أن يتحمّل ذلك؟ بالنسبة إلى مصادر شركة «جودة – أبلوس»، فإن تفاصيل العرض يمكن أن تناقش مع الوزارة، مبدية موافقتها على أي خيار، إن كان دفع الوزارة مباشرة للعمال أو الدفع من خلال الشركة بعد ضمهم إلى ملاكها، على أن ينتقلوا مجدداً إلى من يفوز بالمناقصة. لكن ألا يمكن أن يؤدي حصر الهبة بثلاثة أشهر إلى تكرار تجربة «استمرارية المرفق العام» بعد هذه المدة، بحيث تتحول من العمل المجاني إلى العمل المدفوع الأجر؟ ترفض مصادر الشركة ذلك، مشيرة إلى أن العرض المقدم يفترض إنجاز المناقصة ضمن مهلة الثلاثة أشهر. كذلك تكشف المصادر عن استعداد الشركة لزيادة هذه المدة إلى ستة أشهر على سبيل المثال، في حال طلبت وزارة الداخلية ذلك، مذكّرة بأن الأولوية تبقى لإنهاء الوضع الراهن الشاذ.
ليست المناقصة الجديدة هي الحل الوحيد. فخيار استعادة هذا المرفق من قبل الدولة هو خيار مطروح بجدية. ولذلك، فإن العرض المقدم يمكن أن يُنظر إليه من هذا المنظار، أي يمكن عندها أن تكون فترة الثلاثة أشهر (أو الستة أشهر) فترة انتقالية، إلى حين تكون هيئة إدارة السير جاهزة إدارياً وقانونياً وتقنياً لإدارة هذا المرفق بنفسها.
كل ذلك، لا يبدو بالنسبة إلى مصادر المشغّل الحالي مقنعة. بالنسبة إليه الأمر يحتاج إلى سلسلة من الإجراءات القانونية المعقدة، وأهمها إيجاد حل لانتقال العمال.
كفالة عالقة
بالرغم من أن مجلس شورى الدولة أصدر قراره بإبطال قرار مجلس إدارة هيئة إدارة السير الموافقة على نتيجة المناقصة التي فاز بنتيجتها تجمع SGS، إلا أن هذا القرار لا يعتبر قانونياً إلغاءً للمناقصة نفسها. ولذلك، تشكو مصادر الشركة الفائزة من الوضع الذي يجعلها عالقة بين عدم القدرة على مباشرة العمل، بالرغم من عدم إلغاء المناقصة، وعدم تحرير الكفالة المالية التي كانت دفعتها لدى مشاركتها في المناقصة، ولا تزال تدفع بدل تجميدها، انطلاقاً من المبدأ نفسه، أي عدم إلغاء المناقصة. وترى مصادر مطّلعة أن السبب المباشر لذلك يعود إلى معرفة مجلس شورى الدولة بأن إلغاء المناقصة سيعني مباشرة إعطاء الحق للشركة الفائزة في المطالبة بالتعويض.