لم تعد ظاهرة الفومية أو الزجاج الداكن التي انتشرت في المناطق اللبنانية في السنوات الأخيرة مقبولة بعد أن تزايدت أعداد حاملي الرخص بشكل ملحوظ وصار من الصعب التمييز بين من يحتاج فعلا إليها سواء كانوا مرافقين أو أمنيين وبين “الشبيحة” الذين يجلسون وراء مقود، وقد أتت مرحلة مناقشة الموازنة لتكشف الستارة عن الظاهرة بعد أن تطرقت مناقشة الموازنة لهذا الملف بالمطالبة بوضع غرامات من خمسمائة ألف إلى مليون ليرة سنوياً كأحد إجراءات التقشّف لسدّ العجز في الموازنة.
لكن البند المتعلّق بالفوميه والوارد في المادتين 61 و72سقط في اجتماع لجنة المال والموازنة التي أسقطت عدداً من البنود الأخرى التي من شأنها زيادة إيرادات الدولة في موازنة 2019، الأمر الذي لم يمر مرور الكرام وطرح تساؤلات كثيرة عن الخلفيات خصوصاً أن الرخص منتشرة بشكل عشوائي ووضع الغرامة يوفر أرقاماً على الخزينة.
إسقاط الاقتراح سبب صدمة في أوساط الرأي العام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي إذ تجمّع المواقف على وصف ما حصل بالمؤامرة من قبل النواب لحماية أنفسهم من الضرائب ورميها على الطبقات الفقيرة وبأن النواب “صوتوا” لأنفسهم ورجالهم والمحسوبين عليهم وليس من أجل المنفعة العامة ويتهم النواب أيضاً بطريقة مباشرة بإطلاق التجاوزات وتكريس بقاء الامتيازات للنافذين في السطة على اعتبار أن عدم وضع الغرامات يؤدي أيضاً إلى تعزيز انتشار الفوضى وتكريس منطق الخروج عن الدولة.
يعتبر المشرّعون والمدافعون عن عدم الأخذ بالإقتراح أن هناك أسباباً كثيرة موجبة دفعتهم للاستغناء عن ضريبة الفوميه، من وجهة نظر لجنة المال والموازنة النيابية فإن وضع الرسوم يعدّ تشريعاً لبقاء هذا الامتياز في متناول عامة الناس واستمرار التشبيح وتكريسه بقانون وغرامة فيما هناك ضرورة لتنظيم الموضوع وعلى هذا الأساس فإن لجنة المال والموازنة أصرّت على إصدار توصية لوزارة الداخلية لحصر الرخص بفئات معيّنة من الناس ودواعي المرافقة والعمليات الأمنية ليتبيّن أن اللجنة وضعت الملف بكامله في عهدة وزارة الداخلية وأطلقت يدها لمكافحة ظاهرة الزجاج الداكن ووضع الآليات لتنظيمه.
الحل صار في عهدة الداخلية، ووفق أوساط سياسية فإن وزيرة الداخلية ريا الحسن تبدو متشددة لضبط الوضع وتتحمّل وزر ملف كبير ممن سبقوها من وزراء داخلية ساهموا في “انفلاش” رخص الفوميه وتوزيعها على مناصريهم، فالحسن أغلقت باب الرخص وأكدت من لحظة وصولها إلى وزارة الداخلية أنها لن تساير أحداً ولن تلبّي أي طلب يتجاوز الأصول والنظام، وعلى هذا الأساس أُقفل “مزراب” الداخلية للخدمات التنفيعية وذات الطابع الانتخابي، وأطلقت وزارة الداخلية ورشة عمل في الداخلية لتحديد الفئات التي ستمنح الرخص وجرى تمديد العمل بالرخص القديمة إلى شهر أيلول المقبل ليتم دراسة الملفات كلها.
حوالي 15 ألف رخصة مُنحت في السنوات الماضية ويتمّ تجديدها سنوياً لحامليها وهذا الرقم مرشح أن ينخفض إلى أكثر من النصف مع التنظيم الجديد للداخلية الذي يحصر التراخيص بالجهات الأمنية ومرافقي الشخصيات
كل ذلك لا يلغي تساؤلات مشروعة عن عدم إقرار بند كان سيوفر الأموال للخزينة ويساعد وزارة الداخلية في ضبط فلتان الفوميه، وعلى ما يبدو فإن الفلتان سيبقى قائماً وشبيحة الفومية يجولون خلف الزجاج العازل في الشوارع بدون حسيب أو رقيب إلى حين تطبيق نظام الداخلية على كامل الأراضي اللبنانية والفئات المحددة.