«لينور»: إحياء لمحاصصة التسعينيات؟

عاد مشروع «لينور» إلى مجلس الوزراء مجدداً. لا سبب واضحاً لعودته سوى إحياء المحاصصة. لكن لمجلس الإنماء والإعمار أسباب أخرى، قد يكون أبرزها إنشاء الطريق البحري من محطة شارل حلو إلى الضبية. وهي الطريق التي يمكن إنشاؤها اليوم قبل الغد، إذ لا رابط فعلياً بينها وبين المشروع، بما أن الاستملاكات ستكون في كل الأحوال على عاتق الدولة. تبقى الأراضي التي ستنشأ من عملية ردم البحر. تلك تفوق قيمتها مليار دولار، وتلك تدور حولها الكثير من الأطماع.

لا سبب واضحاً لاستحضار مشروع تطوير الساحل الشمالي لبيروت («لينور») مجدداً سوى أنه بدأ يتحول إلى أمر واقع، من جراء الردم المستمر للبحر منذ عام 2016، أي منذ بدء خطة النفايات وإقرار تفكيك جبل النفايات في برج حمود، إضافة إلى نقل ما يعادل 1400 طن يومياً إلى «المطامر الصحية» في برج حمود والجديدة.

بالنتيجة، صار المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسة اليوم، بعد أن أعاد المدير العام للمجلس محمود مكيّة، تحريك الملف في 22 آب الماضي عبر الطلب إلى مجلس الإنماء والإعمار إفادته حول المستجدات المتعلقة بإمكانية إعادة إطلاق المشروع. كان جواب المجلس في 27 آب: المشروع لا يزال قابلاً للتنفيذ.

ولتأكيد خلاصته، ذهب المجلس إلى الإشارة إلى مجموعة من الأهداف التي يمكن اختصارها بأنها لزوم ما لا يلزم، فهي إما يمكن تنفيذها من دون الحاجة إلى طمر البحر، وإما لا أهمية لتنفيذها. فالمجلس يرى أن المشروع يحقق الأهداف الآتية: ترتيب النظام العمراني للواجهة البحرية، تحسين مستوى الخدمات الأساسية من دون تكبيد الدولة أعباءً مالية، توفير مساحات ومرافق جديدة للاستثمار في قطاعات السكن والسياحة والتجارية والمرافئ السياحية، تخفيض تلوث الهواء وفترات الازدحام على المدخل الشمالي لمدينة بيروت، من خلال إنشاء الأوتوستراد البحري قسم الضبية – نهر بيروت – محطة شارل حلو (8.5 كيلومترات)، توفير أراضٍ للدولة البنانية نتيجة الردم.
تلك ليست المرة الأولى التي يطرح فيها المشروع الذي أطلق في منتصف التسعينيات، وجرت أول محاولة جدية لتلزيمه في عام 1998. في عام 2010، طرح الرئيس سعد الحريري الأمر على مجلس الوزراء من دون اتخاذ القرار بشأنه، وكذلك حصل في 2013، حين أعيد طرحه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. في محاولة اليوم، هل يمرّ المشروع؟ وهل حقاً لا يزال يحقق الأهداف التي أشار إليها «الإنماء والإعمار»؟

من غير المفهوم بداية لماذا تصر الحكومة على مشروع أُعلن في التسعينيات. للتذكير، فقد كان المشروع حينها بمثابة النسخة المسيحية لمشروع سوليدير، الذي يقابله أيضاً مشروع «أليسار» كـ«نسخة شيعية» عند شاطئ الضاحية الجنوبية. بالنتيجة، لم ينجز سوى مشروع سوليدير، أولاً لأن «أليسار» كان مشروعاً يستهدف نقل أهالي الأوزاعي إلى مجمّعات سكنية في مناطق أخرى، وهو ما رفضه حزب الله وحركة أمل، وثانياً لأن مشروع «لينور» الذي يشمل ردم البحر من نهر بيروت إلى أنطلياس، لم يجد له من يطالب به، في ظل غياب القوى المسيحية التقليدية، أي التيار الوطني الحر والقوات والكتائب، عن السلطة. وبما أن هذه القوى عادت لتأخذ مكانها في إدارة الدولة، وخاصة في ظل السلطات الواسعة التي يتمتع بها التيار الوطني الحر، المعتمد على رئاسة الجمهورية وعلى تشكيله أكبر كتلة نيابية ووزارية، فهل يكون «لينور» على أجندة «الحقوق المسيحية» التي يريد التيار «استعادتها»؟

لا شك في أن مشروعاً كهذا يثير أطماعاً كبيرة. فهو يسمح للمستثمر بتملّك واستثمار 838 ألف متر مربع (قيمتها تفوق المليار دولار)، مقابل اكتساب الدولة لأملاك بمساحة تصل إلى 551 ألف متر مربع، يضاف إليها 170 ألف متر مربع مساحة حديقة عامة لبلدية برج حمود، علماً أن مساحة الأملاك العامة نتيجة تنفيذ الأوتوستراد والطرقات والحمايات البحرية تصل إلى 713 ألف متر مربع. بالنتيجة، ينصّ جوهر المشروع على ردم ما يعادل مليون و500 ألف متر مربع من البحر (يتوقع أن يساهم مطمرا النفايات في ردم 576 ألف متر مربع منها)، وبالتالي زيادة العقارات بالمساحة نفسها. وهو ما يُعَدّ مبرر المشروع وعلته، بعيداً عن الأسباب التي يعرضها مجلس الإنماء والإعمار.

لكن تجدر الإشارة إلى أنه منذ أقر المشروع في عام 1995، وحتى اليوم، طرأت تطويرات عديدة في نطاق المشروع، أبرزها: إزالة جبل النفايات في برج حمود، إنشاء «مطمرين صحيين» في كل من برج حمود والجديدة بعد ردم مساحة مائية، استحداث مساحة مردومة لإنشاء محطة التكرير التمهيدية للصرف الصحي (جرى تلزيمها)، تخصيص قطعة أرض لكل من بلدية برج حمود وبلدية الجديدة/ البوشرية في عام 2016 (جزء من خطة النفايات التي أدت إلى فتح مطمر برج حمود)، إنشاء عبّارة خرسانية لتمديدات شركات النفط والغاز، تأهيل مرفأ الصيادين في برج حمود. ما أنجز يفرّغ المشروع من بعض مضمونه، لكنه لا ينهي «حلم» الحالمين بتملّك آلاف الأمتار المربعة.
يقترح المجلس إذا تقرر السير بالمشروع، تكليفه إعداد دراسات محدثة تشمل الجدوى الاقتصادية، والتقييم البيئي. لكن هل تأخذ هذه الدراسات نموذج سوليدير بالاعتبار؟

عندما أنشئ مشروع سوليدير، كانت الخطة تقضي بتحضير وسط المدينة لازدهار قادم في السياحة والاقتصاد والتجارة، قبل أن يبيّن الواقع تحول ذلك الوسط إلى مدينة أشباح، لا يقطنها سوى فاحشي الثراء، ولا يستثمر فيها سوى المصارف، فيما الأراضي المردومة لا تزال مساوية للأرض، لعدم وجود أي جدوى اقتصادية من استثمارها، مع وجود آلاف الشقق الفارغة. أما كل الأحلام والوعود التي رافقت بداية التسعينيات، فاستبدلت بها عمليات مضاربة عقارية أدت إلى التلاعب بالأسعار وخلق سوق عقارية وهمية استفادت منها قلة من المنتفعين.

«الإنماء والإعمار»: لا يزال المشروع قابلاً للتنفيذ

نموذج سوليدير، شبه المفلسة حالياً، مرشح للتطبيق في المتن الشمالي، بوعود مشابهة: مبانٍ سكنية، مشاريع ومرافئ سياحية، حدائق عامة، محلات تجارية… لمن ستنفذ هذه المشاريع، في ظل توقعات بمزيد من الجمود؟ وحتى مع افتراض الجدوى الاقتصادية، ألا يفترض أن يوضح المعنيون بأيّ كلفة بيئية سيحصل ذلك؟ مجلس الإنماء والإعمار يقول إن طمر البحر، سيكون من خلال «توريد الصخور من المقالع المرخّصة». وهذا يعني عملياً الحاجة إلى إزالة جبلين ربما، وبالتالي زيادة التشوه المنظم للجبال اللبنانية، التي يفترض أنها أحد عناصر التسويق السياحي للبنان، بخلاف المشاريع السياحية التي تفيض عن حاجة البلد.

قد يكون الربط بين خفض تلوث الهواء من جراء إنشاء الأوتستراد الساحلي محقاً، فتخفيف الازدحام يساهم تلقائياً في خفض التلوث، لكن ما علاقة هذا بـ«لينور»؟ ولماذا الهروب من حلول لزحمة السير أقل تلويثاً للبيئة (كخطة نقل عام جدية)؟ في الأساس، يشير المشروع إلى مساهمة الدولة بتكاليف الاستملاك المقدّرة بنحو 100 مليون دولار، علماً أن الاستملاك يشكّل النسبة الأكبر من كلفة إنشاء الأوتوستراد.

كل ما سبق يشير إلى أن علّة وجود «لينور» لم تكن قائمة لأسباب تتعلق بالجدوى الاقتصادية والبيئية. المحظوظ سيكون المستثمر أو من يمثّل. لكن الطريقة صارت بالية، ولذلك ربما حان الوقت لإيجاد أسلوب جديد في المحاصصة، يتخطى الأساليب الموروثة من حقبة التسعينيات.

 

مصدر إيلي الفرزلي - الاخبار
المادة السابقةالودائع في البنوك المصرية تبلغ مستوى قياسيا تاريخيا
المقالة القادمةالعراق يقترب من إنتاج 5 ملايين برميل يوميا