لا تزال قطاعات الأعمال تحت تأثير الصدمة التي أحدثها قرار المصارف بتجميد التسهيلات المصرفية، ومنْع التحاويل إلى المورّدين في الخارج. فعلى الرغم من تطمينات مصرف لبنان بأن السيولة مؤمّنة للمصارف لتلبية حاجات السوق، وبأن لا نيّة لتقييد رؤوس الأموال أو ما يعرف بـcapital control، أتت إجراءات المصارف “الشاذة”، لتبثّ الرعب في نفوس رجال الأعمال والمودعين، وتُنذر بواقع قد تتعدّى مفاعيله تراجع النشاط وإفقاد القطاع مصداقيته تجاه مورّديه وعملائه إلى إفلاسات بالجملة في المدى المنظور.
بعد 14 يوماً من الإقفال، ومن دون سابق إنذار، عمدت المصارف، أو عدد كبير منها، الى إخطار زبائنها، وتحديداً من التجار والمستثمرين، بوقف فتح الإعتمادات للإستيراد، وعدم السماح بتحويل الأموال بالعملات الأجنبية الى الخارج مهما كانت الحجة، والإمتناع عن إجراء عمليات صرف من الليرة الى العملات الأخرى، وبالطبع التوقف عن الإقراض مهما كانت الضمانات.
الشركات في خطر
الردّ على هذه الخطوات أتى ديبلوماسياً من “تجمع رجال الأعمال” الذي اعتبر أن هذه الإجراءات “تؤدّي الى شحّ في المواد الأولية والسلع الضرورية، وتزيد من شلل العجلة الإقتصادية (…)، مطالبين المعنيين بالعودة عنها”.
ديبلوماسية “التجمع” لم تطبع موقف رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة إيلي قزي، الذي كاد أن “يخرج من الهاتف” لشدة انفعاله، “يقولون لنا اقفلوا مصالحكم، واذهبوا الى بيوتكم. إنهم يفلسون الشركات”. يأخذ نفساً عميقاً ويتابع “تخيّل ان المصرف رفض تحويل مبلغ من مالي الخاص الى الخارج لشراء سيارة، رغم إبرازي مستندات الشراء والتي تظهر فيها قيمة السيارة الحقيقية. لا بل الأنكى أن المصرف يحتجز أموالنا عنده، ولا يسمح لنا حتى باستردادها”.
مثله مثل آلاف المستوردين والتجار وقف قزي ضائعاً. ومما زاد من حالة الإرباك، عدم صدور أي توضيح من المصارف أو تحديد الفترة الزمنية لانتهاء مدة هذه الإجراءات، وعجز الزبائن عن التواصل مع أي مسؤول في المصارف.
الى “المهوار”!
بحسب رأي أحد التجار فإن “هذه السياسة تشي بأن الدولة سائرة الى المهوار”، وبأن المصارف لا تمتلك من السيولة من العملات الأجنبية، ما يكفي لتلبية حاجات السوق”.
“لم يشهد لبنان في أسوأ الأزمات مثل هذه التدابير المقيدة للتحاويل والتجارة”، يقول مدير عام شركة رفيق البواب وشركاه باسم البواب، “فما يحصل شلَّ البلد، وأحدث نفوراً عند المورّدين في الخارج تجاه التعامل مع لبنان، ومن المستحيل أن يستمروا في العلاقة مع التجار اللبنانيين من بعد توقف الحوالات من دون سابق إنذار، ومن دون تحديد مهل زمنية لمثل هذه الإجراءات”.
وبحسب البواب، قد يكون تقييد التحويلات التي تذهب الى مصارف في الخارج مبرراً في مثل هذ الظروف، إنما لا يحق إيقاف الحوالات التجارية المبرمة بعقود عمل وإتفاقيات”.
“القطاع العام”… التالي
تعطيل القطاعات التجارية بوقف التسهيلات المصرفية، من بعد تعطيل القطاعات الإنتاجية برفع أسعار الفوائد، يعني أن الدولة ستفقد جزءاً كبيراً من مدخولها المتأتّي من الضرائب والرسوم الجمركية ومعاملات تخليص البضائع. وهو ما سيدفع الى شلل في القطاع العام، لن يقف عند حدود تعطيل الإستثمارات، ليطاول العجز عن تأمين الرواتب والأجور والنفقات الجارية.
الثقة هي المعيار
صحيح أن إجراءات المصارف لم تربط بمهل زمنية وتركت فضفاضة، “إلى أن تتحسّن الأوضاع…”، إلا أنها بحسب منسق الادارة السياسية في حزب “الكتلة الوطنية” أمين عيسى، “تنتهي فور تشكيل حكومة وطنية بحق، تنال ثقة الداخل والخارج على السواء”.
وبحسب عيسى فإن “هذه العملية التي تُجريها المصارف، مرهونة بكيفية تنفيذها، فإذا كانت ردة فعل ناتجة عن خوف من الأوضاع، وتركت من دون تحديد آلياتها التطبيقية ووقتها الزمني، الذي من المفروض ألا يطول، تكون نتائجها سلبية جداً، لأنها تهزّ الثقة بالإقتصاد اللبناني.
أما في حال تحديد مهلة زمنية لها، ريثما تتضح أجواء البلد السياسية، وتتمّ برمجة الدين ووضع الموازنة وإعادة الثقة بالإقتصاد… فإن نتائجها تكون إيجابية، لانها تحدّ من هروب الرساميل بسبب نقص الثقة بالدولة والإقتصاد، وبالتالي فإن عمليات تقييد التحويلات ووضع السقوف ستتلاشى تدريجياً”.
الإقتصاد حرّ
الى أن تتّضح تفاصيل المرحلة السياسية المقبلة، وما إذا كانت إيجابية تلبّي طلبات الشارع أو سلبية تُمعن في تجاهل المطالب الإصلاحية، يبقى أن لبنان ما زال إقتصاده حرّاً غير موجّه، وعلى الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة إحترام هذا التوجه وعدم التفريط به لمصلحة قلّة قليلة لا يهمّها سوى مراكمة الأرباح… ولو كانت دفترية.
خالد أبو شقرا – نداء الوطن