ما بين ما ذكره حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه وما حجبه في مؤتمره الصحفي، كان واضحاً التركيز على المشكلة الكبيرة التي يعانيها الاقتصاد اليوم.
اقتصاد لبنان ورغم كل العبارات التجميلية التي نسعى جميعاً لإبرازها يتلخّص بالتالي: شح في الوقود، وغضب من القيود التي فرضتها البنوك على سحب الأموال، نقص في السيولة والدواء، تضاف إليها أزمة الخبز والطحين، وآخر الفصول ما أعلنته نقابة موظفي المصارف عن إضرابها عن العمل حتى إشعار آخر.
ركّز سلامه في مؤتمره على الودائع وسعر الصرف والاقتصاد ككل، لكن كان للمصارف الحصة الأكبر من المؤتمر.
ولا يمكننا الحكم بعدم تنفيذ ما طلبه سلامة من المصارف، قبل انتظار التطبيق، وفي حال لم تلتزم المصارف، يبقى لكل حادث حديث.
ولمعرفة آخر الأخبار حول عمل المصارف وخطواتها المقبلة، كان لـ “الاقتصاد” هذا اللقاء معكبير الاقتصاديين ورئيس مديرية الأبحاث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك “بيبلوس” د. نسيب غبريل:
كيف تطمئن اللبنانيين اليوم على ودائعهم ؟
“إن المصارف اللبنانية بدأت تطبيق معيار المحاسبة الدولية، ورفعت رأسمالها لتمتثل لهذه المعايير الدولية، مما ساعد القطاع المصرفي على مواجهة التقلبات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية، كما التطورات الاقتصادية والمالية.
المصارف اللبنانية اليوم تتمتع بالملاءة الكافية نظراً إلى التدابير الاحترازية التي اتخذتها على مرّ السنوات، ونظراً إلى التعاون الوثيق والمستمر مع مصرف لبنان.”
هل توجد قيود رسمية على حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان ؟
“إن حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان نيشكل إحدى ركائز الاقتصاد اللبناني، وكل ما يشاع عن قيود هو غير صحيح، إذ إن المصارف تلبّي طلبات جميع زبائنها، وبما أن لدى المصارف مئات الآلاف من الزبائن، تحاول تلبية طلباتهم وإتمام معاملاتهم تدريجياً. إنّه من الطبيعي أن تكون لدى الأشخاص نزعة طلب إتمام معاملاتهم أولاً، ولكن طبيعة العمل المصرفي والعدد الكبير للزبائن، والطلبات والمعاملات، تحتم على المصارف أن تلبي جميع زبائنها بالتساوي، وبأخذ في عين الاعتبار الظروف التي يمر بها لبنان.”
المالية العامة في لبنان اليوم في خطر؟
“البلاد ليست على شفير الإفلاس، ولا المالية العامة في لبنان متجهة إلى سيناريو اليونان، ولا إلى سيناريو قبرص.
لبنان يتمتع بالطاقات والموارد التي تمكّنه من الخروج من الأزمة الحالية. وهو يواجه تحديين أساسيين، أولهما تخفيض حاجات الدولة للاستدانة، وثانيهما إعطاء حوافز لتحريك عجلة الاقتصاد اللبناني.
لماذا لم يقم رياض سلامه باقتطاع من الودائع الكبيرة للسياسيين والمتمولين، لخفض كلفة الدين كما كان متوقعاً ؟
“بالنسبة إلى نظريات الاقتطاع من الودائع وتخفيض قيمة الدين العام، فهي مجرد نظريات لا تصلح للبنان ولا يتم التداول الجدي بها أصلاً، وهي تدخل ضمن حملات التشويه على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ما الحلّ الأنسب لمشكلة الدين العام في لبنان ؟
“الحل يمكن في تخفيض النفقات العامة بشكل جذري ومُقنِع، وزيادة الإيرادات من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية، وإغلاق المعابر غير الشرعية، ومكافحة التهرب الجمركي، وتطبيق أشد التزاماً لقوانين تُطَّبَق جزئياً، وإيجاد حلّ نهائي لمعضلة الأملاك العامة البحرية والنهرية، كما للكسّارات غير الشرعية، وفرض ضريبة على كل أصحاب مولدات الكهرباء التي هي غير شرعية. فهذه الإجراءات يمكن أن تُدخل إلى الخزينة اللبنانية نحو مليار دولار إضافي سنوياً من الإيرادات الضريبية”.
رفض سلامه وضع ضوابط رسمية على حركة الأموال. وبهذا قام برمي الطابة مجدداً في ملعب المصارف ما ردكم اليوم؟
“نحن في وضع إستثنائي، الاقتصاد ككل، والقطاع المصرفي كذلك، وهو يتأثر كأي قطاع آخر، وهي قادر على الصمود لأن إيرادات المصارف، بين عام 1990 و 2018 أعيد ضخ 60 % منها في رأسمال المصارف، لأجل ذلك الملاءة اليوم قادرة على المحافظة على ودائع الناس، ولكنّها ليست بمنأى عمّا يحصل إذ إن المصارف لا تعيش منعزلة على جزيرة، وهي متأثرة كغيرها.”
ما الحلول اليوم ؟
نحن نعيش أزمة ثقة عميقة، بين الشعب اللبناني والقطاع الخاص من جهة، والسلطة السياسية والأحزاب من جهة أخرى، ومن المؤكد سيتأثر بها القطاع المصرفي وأي قطاع اقتصادي آخر،
كل القطاعات الإقتصادية تأثرت بالأعباء التشغيلية التي زادتها السّلطة التنفيذية على الاقتصاد اللبناني عبر التركيز على زيادة الضرائب في قانون 2017 وموازنة الـ 2019 وكانت موجودة في الإجراءات الموازية لموازنة الـ 2020 لولا ضريبة الـ “واتس آب”.
في اقتصاد متباطئ كان ينمو بنسبة 0.6 % في العام 2017 تقوم الحكومة بزيادة الضرائب على الإستهلاك والأرباح والدخل والأموال المنقولة، ولا تقوم بأي إجراء لإزالة الأعباء التشغيلية كان كاهل القطاع الخاص.
أزمة السيولة بدأت في 2018 عند فرض الضرائب التي أدّت إلى سحب السيولة من الشركات والأفراد وإعادة توزيعها إلى القطاع العامة،
موضوع الضرائب كان بداية أزمة السيولة، وعندها بدأت أزمة تأخر الدفع لدى التجّار حتى بالعملة اللبنانية الليرة، قبل بروز مشكلة الدّولار.
* هل من حل لأزمة صرف العملة ؟
“الحل اليوم هو باستعادة الثّقة بأسرع وقت ممكن، عبر تشكيل حكومة مستقلة تأخذ إجراءات تؤدي إلى صدمة إيجابية بالأسواق المالية والأسواق التجارية وبالقطاع اللبناني وللمغترب اللبناني، ما يؤدي إلى رفع ثقة المستثمر والمستهلك، وإلى إراحة الأسواق وضخ سيولة بالإقتصاد اللبناني، لا يوجد حل آخر.
إضافة إلىالتعاون وتحمل الجميع مسؤولياتهم بدلاً من الحملات العبثية، إقتصاد لبنان والقطاع المصرفي مرّ بظروف أصعب من الظروف الحالية، ولكن تم اتخاذ إجراءات جدية للنهوض من الأزمة، واليوم يجب إتخاذ هذه الإجراءات بأسرع وقت ممكن، لأننا لا نملك ترف الإنتظار.”