في 30 أيلول الماضي، أقرّ المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية مجموعة من المناقلات، وفي اليوم التالي تراجع عن قراره، تحت ضغط تيار «المستقبل». وفي 14 تشرين الثاني الحالي، أصدر قراراً جديداً يتضمن أسماء معظم من شملهم القرار السابق. ومرة جديدة، كانت خلاصة القرار ترقية عونيين وإبعاد مستقبليين. القرار تضمن أيضاً استحداث ثلاثة قطاعات لم تكن موجودة سابقاً، ونقل قطاع من مديرية إلى أخرى
هي مصادفة تستدعي التوقف عندها. في 13 تشرين الثاني الجاري انتشرت رسالة في أوجيرو تردّ على مدير مديرية الشبكات هادي أبو فرحات، الذي سبق أن نشر فيديو على حسابه على فايسبوك يتضمن انتقاداً للانتفاضة وللمنتفضين. أعادت الرسالة التذكير بمجموعة من القرارات «غير القانونية» التي وافق عليها أبو فرحات بصفته عضواً في مجلس إدارة الهيئة.
(مروان طحطح)
أحد الأسئلة الذي وجّه إلى أبو فرحات هو: «هل يستطيع أن يشرح لنا حيثيات موافقته على إصدار قرار مجلس إدارة هيئة أوجيرو الرقم 28 بتاريخ 24 أيار 2017 والذي تنازل بموجبه عن كامل صلاحياته التي أناطها به مجلس الوزراء لمصلحة رئيس مجلس الإدارة، موقّعاً، بالتالي، شيكاً على بياض لمصلحة هذا الأخير لينفق مبلغ 640 ألف دولار أميركي؟ هذا المبلغ دفع، بحسب الرسالة، لقاء «عقد استشارات مخالف للقانون وللنظام المالي لهيئة أوجيرو مع الشركة الإماراتية Detecon Dubai (التي لا تملك مكتباً في بيروت) من أجل إعداد دراسة نظرية لجدوى إقامة مركز معلومات قائم على نموذج الحوسبة السحابية»؟
في تلك الرسالة أسئلة استطرادية عن الموضوع نفسه: هل يعلم أبو فرحات أنه ﻻ يوجد أي وحدة تقنية أو إدارية في الهيكلية اﻹدارية والعملانية لهيئة أوجيرو متخصصة بإدارة مثل هذه المشاريع أو مكلّفة بمتابعة تنفيذها؟ ألا يعلم أبو فرحات أن هناك العديد من الخبراء في مديرية المعلوماتية في هيئة أوجيرو ومن بين عشرات المستشارين الجدد الذين قام هو شخصياً بتوظيفهم يمكنهم القيام مجاناَ بهذه الدراسة؟
أما ختام الأسئلة التشكيكية، فهو: هل بإمكان السيد أبو فرحات أن يخبرنا عن مآل هذا العقد الاستشاري مع شركة Detecon Dubai وأين أصبح مركز الحوسبة السحابية؟
في الوقائع، فإن المدير المالي في أوجيرو قام بالفعل، في 12 آب 2017، بحجز نفقة باسمDetecon Consulting بقيمة إجمالية بلغت 946 مليون ليرة.
قطاع جديد لتغطية عقد بالتراضي وُقّع في 2017
وفي الوقائع أيضاً، وخلال أكثر من سنتين من توقيع العقد مع «ديتيكون» لم يظهر أي أثر لأي قطاع أو فرع أو مشروع يتعلق بما يسمى الأنظمة السحابية، إلا في قرار صدر في 14 تشرين الثاني الحالي (الرقم 112)، أي بعد يوم واحد من انتشار تلك الرسالة التي تسأل عن مصير الحوسبة السحابية. لكن ورود اسم «قطاع الأنظمة السحابية»، لم يأت إلا عرضاً، في سياق قرار صادر عن المدير العام لأوجيرو عماد كريدية يتعلق بمناقلات للموظفين. في القرار المذكور إشارة إلى أن المهندس مهنّد الخطيب الذي يعمل حالياً مساعداً لمدير تكنولوجيا المعلومات للشؤون الفنية في مديرية تكنولوجيا المعلومات، سيكون أيضاً «رئيس قطاع الأنظمة السحابية (Cloud Computing)». كانت تلك المرة الأولى التي يتردد اسم هذا القطاع في أوجيرو.
في الهيئة آلية واضحة لاستحداث القطاعات. الاقتراح يجب أن يبدأ من المدير المعني الذي يرسله إلى المدير العام، متضمّناً دراسة الجدوى والتوصيف الوظيفي للقطاع وهيكليته وعدد العاملين فيه ووسائل العمل المطلوبة… عندما يتسلمه، يحيل المدير العام الاقتراح على المديرية المالية لتبيان الكلفة المالية للقطاع الجديد ومدى توفّر الاعتمادت، وإلى الموارد البشرية لتبيان الموارد البشرية المتوفرة داخلياً والتحضير لتوظيفات جديدة في حال دعت الحاجة. بعد ذلك، يعرض المدير العام الملف كاملاً على مجلس الإدارة. وإذا وافق الأخير، يحال القرار الأولي على وزير الاتصالات ووزير المال بهدف الاطلاع والمصادقة. بعد ذلك، يرسل الملف إلى مجلس شورى الدولة لاستطلاع رأيه وإبداء ملاحظاته، وفي حال وافق عليه يعاد الملف إلى مجلس الإدارة ليتحول من بعدها إلى قرار نهائي.
كل ذلك لم يحدث، بل استحدثت قطاعات جديدة بشكل موارب. لكن الأخطر أن هذه الخطوة أتت في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. إذ إن استحداث قطاع جديد يعني استحداث مركز تكلفة جديد. وهذا قرار حتى وزير الوصاية لا يمكنه القيام به، كما لا يمكن تصديقه من قبل وزارة المال أو وزارة الاتصالات. ولن يكون بالإمكان، قانوناً، إصدار فاتورة من قبل قطاع لا إشارة له في موازنة الهيئة. وبالتالي، كان يفترض بالهيئة انتظار تأليف الحكومة للقيام بأي تدبير من هذا النوع، لكنها لم تفعل.
بحسب ما يتم نشره في أوجيرو، وبحسب ما يظهر من تسلسل الأحداث، فإن استحداث قطاع الأنظمة السحابية جاء بهدف تغطية عقد بالتراضي، أنجز في عام 2017. وهو واحد من العقود بالتراضي التي تطرقت إليها هيئة الاستشارات والتشريع في الاستشارة الصادرة في 8 تشرين الأول الماضي، بوصفها عقوداً لا تحصل على الموافقة المسبقة لوزارة الاتصالات، بحسب ما ينص العقد الموقّع معها، كما لم يحصل أي تسلّم عند تنفيذها بموجب محاضر تسلّم يتمّ إعدادها من قبل لجان يشكّلها وزير الاتصالات.
اللافت أن قطاع الأنظمة السحابية ليس وحده على لائحة القطاعات الجديدة. في القرار 112 نفسه، المتضمن مناقلات لعدد من الموظفين، إشارة إلى نقل نقولا حميمص من قطاع برامج المعلوماتية التطبيقية إلى رئاسة «قطاع أنظمة مساندة الأعمال»، وكذلك نقل المهندس قاسم حجيج من منصب مساعد رئيس قطاع شبكات المعلومات في مديرية تكنولوجيا المعلومات إلى رئاسة «قطاع مراقبة الشبكات» في المديرية نفسها، علماً بأن مطّلعين على هيكلية أوجيرو يؤكدون أن هذين القطاعين لم يسبق أن تضمنتهما أوجيرو. أضف إلى أنه بدا مستغرباً إنشاء قطاع خاص بمراقبة الشبكات، في الوقت الذي تضم فيه أوجيرو «المركز الوطني لمراقبة الشبكات» الذي يديره المهندس علي عطية.
بالإضافة إلى الإشكاليات القانونية، يتم التداول باحتمالات كثيرة لإنشاء قطاع أنظمة مساندة المعلومات، أبرزها أن هذا القطاع الذي تشكل الفوترة جزءاً من مهامه، ستكون مهمته «التغطية على فضيحة العقد بالتراضي مع شركة إريكسون لشراء نظام فوترة بقيمة 22 مليون دولار، والذي تبيّن تعذر العمل به».
هذا ليس كل شيء، القرار نفسه، يُمرر عرضاً عبارة «مع انتقال قطاع دعم صناديق القبض من مديرية تكنولوجيا المعلومات إلى مديرية خدمة الزبائن». وهذا إجراء يتطلب بدوره قراراً من مجلس الإدارة يوافق عليه مجلس شورى الدولة، لكن ذلك لم يحصل.