في زمن “الشحاذة” من الدول الصديقة، التي يبدو أن الحكومة “المخلوعة” بحكم الشارع ستتّخذها نهجاً من أجل تأمين رغيف خبز للجياع، أو حبّة دواء للمرضى، تتناسى السلطة التي نخرها سوس الفساد “عن بكرة أبيها” مزاريب “الإثراء الشخصي” غير المشروع المشبع بالهدر في مؤسسات الدولة وحتى الثمالة. في لبنان، تسقط المناقصات على الدوائر الخاصة، أما مرفأ بيروت “فاستثناء”، مجسّد بإدارة من لجنة موقتة منتهية “الصلاحية” برئاسة حسن قريطم.
تقوم “اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت” بإدارة أعمال المرفأ بصلاحيات كاملة من دون الخضوع للرقابة المالية، لا من قِبل ديوان المحاسبة ولا حتى من التفتيش المركزي، منذ 17 عاماً. وعلى رغم انتهاء مدّتها ونزع كل الامتيازات منها إلا أنها تستمر بالتصرف من دون حسيب ولا رقيب. وبحسب دراسة صادرة في كانون الاول الجاري عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب، فإن هذه اللجنة تعقد تعهدات ينجم عنها إنفاق لمال الخزينة خارج أي إجازة تشريعية، كما أن اللجنة لم تودع وزارة المالية أي حسابات أو تقارير سنوية منذ أعوام عدة. وبحسب الدراسة عينها، تُقدّر الايرادات السنوية لمرفأ بيروت بنحو 240 مليون دولار يتمّ تحويل ما يقارب 40 مليوناً منها فقط الى الخزينة العامة. أما المبالغ الاخرى فتنفقها اللجنة، تحت بدعة تشغيل وصيانة الميناء، وهي بنفسها تحدّد كلفة الأشغال والخدمات والرواتب والتعويضات.
ضرائب مقنّعة وشفافية معدومة
عن الموضوع يوضح عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب أنطوان بانو في اتصال مع “نداء الوطن” أن “الاعتراضات على اللجنة كثيرة، وكوني نائباً عن بيروت قمت بالتركيز على هذا الملف، لذا فإنّ الإخبار الذي تقدمت به أمس أمام المدعي العام المالي ليس وليد الساعة بل إنّه يرتكز على العديد من المعطيات. لدى اللجنة الموقتة قانون مالي خاص، من هنا فهي لا تحوّل سوى 25% من مجمل الايرادات التي يجنيها مرفأ بيروت، أما الباقي، أي 75%، فتحتفظ به في حسابات مصرفية خاصة بدلاً من أن تودعه لدى مصرف لبنان، لتعود اللجنة وتنفق كلّ هذه الاموال بحرية تامة”. ويتابع: “عام 2007 أرسلت اللجنة الى الخزينة 70 مليار ليرة، وفي العام 2009 حوّلت 62 ملياراً، أما العام 2010 فـ 48 ملياراً. العام 2012 لم تحوّل شيئاً، العام 2013 قامت بإرسال 30 ملياراً، والعام 2014 ارتفع المبلغ ليلامس 82 ملياراً، ثمّ وفي العام 2015 حوّلت 116 مليار ليرة. بعد ذلك، ترجم العام 2017 الازدهار بـ 174.90 ملياراً ليعود هذا الرقم وينخفض الى 110 مليارات العام 2018. كلّ هذه الارقام باتت بعهدة المدعي العام المالي وهي التي تشكّل 25% من مجموع الايرادات التي يجنيها مرفأ بيروت سنوياً. وبعملية حسابية بسيطة، يتبين أنه خلال 10 أعوام حصّلت الخزينة العامة من اللجنة الموقتة لادارة واستثمار مرفأ بيروت ما يعادل 590 مليون دولار من أصل مليار و765 مليوناً تقريباً”.
ويضيف بانو: “يتقاضى رئيس اللجنة راتباً شهرياً يبلغ 30 مليون ليرة لبنانية، وتعقد اللجنة 8 اجتماعات في الشهر الواحد تكون حصّته عن كل واحد منها مليون ليرة ليصبح المبلغ الذي يتقاضاه 38 مليوناً تضاف اليه المخصصات. وللإشارة فإن قريطم يشغل منصب المدير العام ورئيس مجلس الادارة في آن واحد. من هنا فإن اعتراضي نابع من انعدام الشفافية والأهم طُرق تقاضي الرسوم والتي برأيي هي ضرائب مقنّعة وغير خاضعة للقوانين، بالاضافة الى عدم تقاضي الموظفين والعمال رواتبهم بحسب معايير سلسلة الرتب والرواتب”.
الرسوم المرفئية… عبء على الصناعة
“يُعتبر مبلغ الـ 200 مليون دولار بدل رسوم مرفئية ضريبة مفروضة. لفرض الضرائب السيادية لا بدّ من قانون واضح وصريح وذلك يعني انه لا يحق للجنة موقتة فرضها. بحسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء فإن الضرائب مهما كان نوعها تُحدّد في الموازنة العامة وتُجبى تشغيلاً وتطبيقاً من قبل وزارة المال. ذلك يعني أن على موازنة المرفأ، تشغيلاً وتطبيقاً، أن تكون ضمن الموازنة العامة وإلا فعليها ان تكون منظمة وفقاً لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفي هذه الحالة فقط يمكن جباية الرسوم المخصصة لتطوير هذا المرفق. عملاً بشيوع الموازنة، من غير القانوني تخصيص ضرائب لشيء محدد. وعليه، فما يحصل في المرفأ ليس إلا هدراً للمال العام. الى ذلك، للرسم المفروض من قبل ادارة المرفأ تداعيات خطيرة على الاقتصاد كما وعلى القدرة الشرائية، فـ 80% من الاستيراد والتصدير تتمّ عبر مرفأ بيروت. عملياً، يبلغ متوسط هذه الرسوم المرفئية حوالى 5% من القيمة السوقية للبضائع. أي أن هذه الرسوم تساهم بزيادة الاسعار بما لا يقل عن 5%، وبالتالي فهي تحدّ من تنافسية الصناعة اللبنانية وتزيد من كلفة البضائع المستوردة الى لبنان، بدلاً من أن تساعد هذه الاموال الصناعة الوطنية أو الخزينة او ميزان المدفوعات لكبح هروب الدولارات عبر الاستيراد، يُستعمل هذا الرسم من قبل لجنة ادارة المرفأ للإثراء الشخصي”، يقول منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا. ويلحظ “سيدر” المشاريع الاستثمارية كافة في البلاد الا أنه لا يتطرق الى مرفأ بيروت، حيث أرادت الطبقة الحاكمة له مصير “الخصخصة”، فيشكل مركزاً أساسياً للتطاول على أموال الشعب من دون مناقصات ولا آلية مراقبة. فرئيس اللجنة هو من يقترح المشاريع، وهو من يراقب وهو من يضع دفتر الشروط وكل ذلك يتم بالتراضي وبقيمة سنوية تتخطى عتبة الـ 200 مليون دولار سنوياً.
كان من المفترض لمرفق أساسي كهذا أن يكون قاطرة للاقتصاد الوطني ومساحة لشراكة كاملة مع قطاع الانتاج لفتح باب المنافسة وإطلاق دورة النمو، إلا أنه لا يزال كناية عن “مغارة علي بابا”… والـ “أكثر من 40 حرامي”…