بعدما تعقّد الوضع الاقتصادي في لبنان، بات الافلاس من الأزمات الضاغطة بقوة. وفي ظل هذا التطور راح اللبنانيون يبحثون في قواميس الافلاس عن تجارب دول سبقتهم الى هذا الدرك، في محاولة لمعرفة ما ينتظرهم. في هذا السياق، تُعتبر الارجنتين من الدول التي أدركها التعثّر، ولعلّ التطرّق الى ما واجهته في أزمتها، يساعدنا في استشراف ما ينتظرنا.
بدأ شبح الافلاس يلوح في الافق وبدأت معه التحليلات والمقارنات مع تجارب الافلاس الاخرى: الارجنتين، اليونان، فنزويلا…
ولأنّ الافلاس ليس المحطة الاخيرة في الأزمة وانما بدايتها، لا بدّ من استعراض مرحلة ما بعد الافلاس والسياسات الاقتصادية المعتمدة والنتائج المتوقعة. على سبيل المثال، كيف كان وضع الارجنتين الاقتصادي بعد ان اعلنت افلاسها في العام 2001؟
تراكمت الديون التي اقترضتها الارجنتين لتحسين البنى التحتية وتنفيذ مشاريع، ووصلت الأزمة في البلاد الى حدّ التخلّف عن تسديد مستحقات وإشهار الافلاس في العام 2001.
بدأت السلطات محاولة علاج الانهيار بسياسات تقشفية من خلال خفض الانفاق العام، عن طريق خفض اجور العاملين في الحكومة مع بعض السياسات الضرائبية. في تلك الفترة كانت البطالة مرتفعة ونسبة الفقر كذلك وانخفضت قيمة البيزو الارجنتيني.
ومن أبرز السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الارجنتين في تلك المرحلة، تحويل قسري للودائع الدولارية الى ودائع بالعملة الوطنية، ما زاد من الصعوبات المعيشية على المواطنين. ومن الخطوات المعتمدة ايضاً تحويل الديون من الدولار الى العملة الارجنتينية، مقابل كل دولار بيزو ارجنتيني، بالاضافة الى تحويل بعض السيولة الى ودائع على شكل سندات.
لجأت السلطات الارجنتينية الى إعادة هيكلة الدين العام في 2005 و2010. واعتمدت اسلوباً يقضي بدفع 30 في المئة من الدين، (عن كل دولار تدفع 30 سنتاً). وافق معظم الدائنين على هذا الاقتراح. لكن، وفي العام 2014، تخلّفت الارجنتين عن تسديد ديونها المستحقة للدائنين الذين رفضوا إعادة هيكلة الديون سابقاً على اساس 30 في المئة، مطالبين بالسداد الكامل. وكانت نتيجة الدعوى القضائية، عجز الارجنتين عن توزيع أموالها على الدائنين بسبب الخلاف مع صندوق استثماري يحمل سندات دين أرجنتينية، رفض اقتراح جدولة الديون على اساس الـ30 في المئة. وهكذا، دخلت الارجنتين مجدداً في تعثّر جديد…
في العام 2018 بدأ هروب رؤوس الاموال الى الخارج، ما ادّى الى وضع ضوابط في ما بعد على العملات الاجنبية للحدّ من هذه المشكلة، ما اثار الخوف والقلق في الاسواق الارجنتينية. ولجأت الارجنتين الى صندوق النقد الدولي، الذي وافق على اقراضها 50 مليار دولار على دفعات، شرط القيام بالإصلاحات وخفض الإنفاق العام. وتعارضت الآراء والمواقف حول مساعدة الصندوق النقد الدولي هذه.
وطالت مرحلة ما بعد الافلاس، وغاب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عن الارجنتين، التي عاشت كلّ هذه السنوات بين التحسّن المحدود والتعثر الاكبر حتى هذه السنة 2019 ، التي لم تخلُ من علامات الاستفهام عن وضع العملة الوطنية والاقتصاد.
انّ الهدف من القاء الضوء على السياسات التي اعتمدتها بلاد التانغو والمحطات الاقتصادية الرئيسية التي مرّت بها البلاد بعد الافلاس، هو التأكيد على انّ «دخول الافلاس لا يشبه الخروج منه»، فما بعد الانهيار معاناة للنهوض بالاقتصاد من جديد.
صحيح اننا لم نصل الى الافلاس بعد، وربما يوجد بصيص أمل كما يرى بعض المحللين في تشكيل حكومة جديدة وبالاستناد الى موجودات لبنان. ولكن اذا استمر الوضع على مشهد الفراغ وانعدام الرؤية الاقتصادية وغياب المحاولات الانقاذية الجدّية، سيدخل لبنان في حكاية الف ليلة وليلة من التدهور الاقتصادي.