مع بداية الشهر الحالي أصدر مصرف لبنان تعميماً وسيطاً حمل الرقم 536، خفّض بموجبه الفوائد المدينة على الليرة اللبنانية والدولار إلى 8.5 و5 في المئة على التوالي، وأجاز للمصارف أن تدفع 50 في المئة من قيمة الفوائد على الودائع بالعملات الأجنبية و50 في المئة بالليرة اللبنانية. التعميم الذي لاقى ترحيباً وتنويهاً من المصارف، كان من المنتظر ان يتبعه تخفيض الفوائد الدائنة سريعاً… وهذا ما لم يحدث بعد.
التعميم الوسيط لم يشذّ عن قاعدة المعاملة المميزة التي تلقّتها المصارف تاريخياً من المصرف المركزي. فالهدف من وراء هذا التعميم كان في ظاهره استيعاب الوضع المتأزّم ومراعاة الظروف الإقتصادية والمالية التي يمرّ بها البلد، أما في باطنه فقد قدّم هذا الإجراء خدمة مصرفية أراحت القطاع المصرفي المأزوم، وأتت في الزمان والمكان المناسبَين، وكأنها “حفر وتنزيل”، بحسب وصف أحد المصرفيين. ولو حصلت هذه الخطوة قبل الأزمة بفترة قصيرة لكانت أدّت إلى هروب الودئاع وتقويض عملية الإستقطاب للدولار وتسريع عملية الإنهيار.
الفوائد الدائنة ثابتة
بغضّ النظر عن سلبيات هذا التعميم، وخصوصاً على المودعين الأجانب الذي سيُجبَرون على تقاضي نصف فوائدهم بالليرة اللبنانية، فإنه في المقابل فتح بارقة أمل عند الأفراد والشركات، باقتراب تحقيق المطلب التاريخي الدائم بخفض الفوائد الدائنة على القروض، نظراً إلى مبدأ المعاملة بالمثل.
بعد نحو شهر من صدور التعميم 536، لم يطرأ أي تغيير على الفوائد الدائنة، والتخفيض الذي حُكي أنه لن يستغرق أكثر من أسابيع قليلة، من المتوقع ان يمتد إلى بداية شباط من العام القادم، هذا ان قُدّر له أن يُبصر النور.
المستشار المالي د.غسان الشماس يرى أن “المشكلة بدأت مع عدم تخفيض مصرف لبنان الفوائد الدائنة على القروض، بشكل مواز مع تخفيض الفوائد المدينة. فترك البنك المركزي الامور بيد نادٍ خاص وهو جمعية المصارف لتحديد التوقيت ونسبة التخفيض بحسب مؤشر BRR أو ما يعرف بمؤشر فائدة بيروت، من دون أي رقابة”.
ربط تخفيض الفوائد على القروض الدائنة بـالـ “BRR” مرهون بالطريقة التي سيُحتسب على أساسها هذا المؤشر. فهناك احتمال كبير أن تكون نتيجة المؤشر، التي تقوم على أساس احتساب المتوسط المثقّل لكلفة رأس المال WEIGHTED AVERAGE OF THE COST OF CAPITAL، سلبية. وبالتالي لا تخفض الفوائد الدائنة، وإذا خفضت فبنسب أقل بكثير من المفروض ان تنخفض فيه.
BRR وطريقة الإحتساب
تحديد مصرف لبنان للفوائد المدينة والتدخّل بطريقة دفعها وتقسيمها للمودعين مناصفة بين عملة الوديعة والليرة اللبنانية، وترك تحديد الفوائد الدائنة للمصارف على أساس BRR يندرج بحسب شماس “في خانة تمرير المركزي فرصة جديدة للمصارف للتحكم بمستوى الفوائد الدائنة”. فالطريقة التي سيُحتسب على أساسها الـ BRR تُشكّل كل الفرق. وهنا يبرز سؤالان أساسيان يوجّهان إلى جمعية المصارف:
– الأول، هل الحسابات الجارية التي لا تدفع عليها المصارف أي فائدة مأخوذة في عين الإعتبار؟
– الثاني، هل ستأخذ المصارف بعين الإعتبار الوزن المثقل على مجموع الودائع التي تبلغ 180 مليار دولار، بالمقارنة مع التسليفات التي تبلغ حوالى 40 مليار دولار؟
بحسب شماس فإنه “من المفروض عدم احتساب كلفة الودائع الكبيرة، حيث يمتلك 0.1 في المئة من المودعين حوالى 60 مليار دولار، من هذا المؤشر، إذا ارادت المصارف ان تكون عادلة في موضوع تحقيق التوازن بين الفوائد المدينة والدائنة”.
كسْب الوقت
من هنا، إن “التأخير أو المماطلة في إصدار الـ BRR يعود إلى محاولة المصارف كسب المزيد من الوقت لتلبية شروط مصرف لبنان المتعلّقة بزيادة الرساميل بمقدار 20 في المئة، تستحق اول دفعة منها المحددة بـ 10 في المئة، قبل نهاية العام. وبالتالي فإن البنوك تسعى إلى المحافظة على مستوى مرتفع من الأرباح، ولو كانت دفترياً وغير محصلة.
خطة المصارف في هذه المرحلة تقتصر على تدوير أرباحها على معدلات الفوائد المرتفعة، وايهام مصرف لبنان ان ما طلبه جرى تحقيقه، لكن مع الأسف من أموال المودعين وأصحاب القروض. في الوقت الذي ستدفع فيه المصارف الفوائد على الودائع مناصفة بين الليرة والدولار للمودعين، ستُعامل من مصرف لبنان معاملة الملوك، وتدفع فوائد ايداعاتها المقومة بالدولار في “المركزي” بالعملة الاجنبية بشكل كامل.
لو كانت النوايا سليمة، لكان من المفروض أن نشهد انخفاضاً في الفوائد على القروض بشكل سريع، خصوصاً ان انعكاساته على اقتصاد الافراد والشركات في هذه الظروف أكبر بكثير من انعكاس تخفيض الفوائد على الودائع، التي لا تستفيد منها المصارف التجارية على المدى القريب لكنها ستشكل انتكاسة لسمعة القطاع وثقة الداخل والخارج به على المدى الطويل.