اضطرت وزارة الاتصالات إلى إجراء عقد مصالحة مع أوجيرو بسبب عدم توقيع عقد عن العام 2017 في الوقت المحدد. بدلاً من الموافقة على العقد، أحالت هيئة الاستشارات الملف إلى القضاء لما يتضمنه من شبهات فساد. قبل يومين من نهاية العام الحالي واضطرار الوزارة إلى اللجوء إلى عقد مصالحة جديد عن هذا العام، تتجه الأنظار إلى ديوان المحاسبة. هل يعطي موافقة مسبقة على عقد نُفّذ بالفعل على مدى 364 يوماً؟
عندما ينص القانون على الحصول على الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة، فهذا يعني ببساطة أن الموافقة يجب أن تكون «مُسبقة»، أي أن تسبق إبرام العقد المطلوب الموافقة عليه. ذلك أمر لا يحتاج إلى معاجم لشرحه، لكن الحال مختلف في مشروع عقد الصيانة وتشغيل الشبكة الهاتفية الثابتة الموقّع بين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو. الجهتان يُفترض أنهما تنتظران، حالياً، الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة على عقد العام 2019، بالرغم من أنه لم يبق إلا يومين على نهاية العام! ليس هذا مهماً. المهم أن الموافقة المسبقة مطلوبة، وإن بمفعول رجعي.
رئيس أوجيرو عماد كريدية يؤكد أن الديوان وافق على العقد بالفعل، والهيئة تنتظر تبليغها بالقرار رسمياً. ذلك كلام ينفيه رئيس الديوان محمد بدران الذي يؤكد أن الغرفة الناظرة بالملف لم توافق عليه بعد، بل هو قيد الدرس والمتابعة مع أوجيرو التي يُطلب منها مستندات إضافية. ليس الديوان معنياً بالمهلة. هو يميز بين القرار القضائي وصرف الأموال، فإذا كان الصرف غير ممكن بعد انتهاء السنة المالية، فهذا ليس الحال بالنسبة إلى القرار القضائي.
بالنتيجة، فإن يومين يفصلان عام 2019 عن نهايته، لكن لماذا تعمد وزارة الاتصالات مجدداً إلى تأخير توقيع العقد، بعدما سبق أن فعلت ذلك في عام 2017، بالرغم من أن التأخير يُشكّل مخالفة صريحة للقوانين والأنظمة المالية وقواعد إنفاق المال العام المحددة في قانون المحاسبة العمومية؟ ذلك أمر يدركه كل من الأطراف الثلاثة المعنية (وزارة الاتصالات وأوجيرو وديوان المحاسبة)، تماماً كما يُدرك هؤلاء أن تأخير توقيع العقد يفتح باباً لإنفاق أكثر من مئة وخمسين مليون دولار من المال العام المتوفر لدى الهيئة خلال العام الجاري، خارج كل الأطر الإدارية والمالية والتعاقدية وخارج الأنظمة المالية المرعية الإجراء.
قد لا تكون هذه هي الحالة، لكن تأخير توقيع عقد لم يتغير بين عامَي 2018 و2019 يثير الكثير من التساؤلات. هذا على الأقل ما أكدته هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، التي درست عقد مصالحة بين الوزارة والهيئة عن العام 2017. فالهيئة أصدرت، في 9 تشرين الأول 2019، مطالعة ترفض فيها الموافقة على عقد المصالحة بسبب وجود مخالفات مالية مرتكبة أثناء عمل أوجيرو من دون توقيع عقد تشغيل وصيانة مع وزارة الاتصالات عن عام 2017. كما طلبت الهيئة في هذه المطالعة إحالة الملف إلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة التمييزية والنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة. هل تحاول الوزارة والهيئة، اليوم، تجنّب المصير نفسه وقطع الطريق أمام أي محاسبة ممكنة، إذا ما انتهت السنة الحالية من دون إقرار العقد واضطرارها إلى اللجوء إلى عقد مصالحة؟
بحسب كريدية، فإن الهيئة سبق أن أرسلت العقد إلى وزارة الاتصالات ضمن المهلة القانونية، أي قبيل انتهاء عام 2018، لكن الأمر لم يبتّ لأن وزارة الاتصالات اضطرت إلى انتظار إقرار الموازنة ومعرفة قيمة الاعتماد الذي سيوافق عليه مجلس النواب، قبل إرسال مشروع العقد إلى الديوان.
الموازنة أقرت في تموز الماضي، فما مبرر تأخير توقيع العقد؟ بحسب أوجيرو، فإن تفاصيل صغيرة كانت محل نقاش بين الهيئة والوزارة ثم مع الديوان، قبل أن يتم الاتفاق على حلها. بالنتيجة، يؤكد كريدية أن أوجيرو، نتيجة عدم توقيع العقد، لم تتقاض أي قرش من الوزارة. بل هي تعمل على قاعدة استمرارية المرفق العام، بناءً على طلب وزير الاتصالات، معلناً، في الوقت نفسه، أن الهيئة كانت تصرف من الأموال المدوّرة التي لديها.
لكن بحسب المعلومات، فإن الوزارة لم ترسل مشروع العقد إلى الديوان إلا منذ أسابيع. ثمة من يعتبر أن تأخير توقيع العقد إلى نهاية العام هو بمثابة الغطاء القانوني الذي يمسح كل المخالفات المرتكبة، ويسمح لوزارة الاتصالات بتحويل ملايين الدولارات لهيئة أوجيرو في آخر يوم من السنة. وهذه الخطوة، إذا ما تمت، قد تؤدي إلى تجنّب تحويل الملف إلى وزارة العدل لدراسته وإبداء الرأي بشأن المخالفات القائمة فيه من قبل هيئة التشريع والاستشارات.
كريدية يؤكد أن الديوان وافق على عقد الصيانة… ورئيس الديوان ينفي
بالرغم مما يشاع عن ضغوط تمارس على المسؤولين في ديوان المحاسبة، تُفيد المعلومات بأن الغرفة الناظرة بمشروع العقد لن توافق عليه بصيغته الحالية، فالعقد الذي يحتوي على نوعية وكلفة الأعمال المطلوبة من أوجيرو، لم يعد ذا جدوى اليوم. ببساطة لأن الأعمال نُفذت. ولذلك، ثمة من يشير إلى احتمال أن يعطي الديوان الموافقة لكن ليس على مشروع العقد والاعتماد الذي يتضمنه بل على الأعمال التي نفذت فعلاً وتمت فوترتها. تشير مصادر مطلعة إلى أن هذه الخطوة ستساهم في تخفيض قيمة الاعتماد المخصص للهيئة، وخاصة أن تجربة عقد الـ 2017 تؤكد أن الفارق بين الاعتماد المطلوب والنفقات المحققة قارب السبعين مليار ليرة. لكن في المقابل، توضح مصادر قانونية أن الموافقة على الفواتير هي بمثابة تجزئة للنفقة، ولا يمكن الركون إليها، أضف إلى أن مبدأ تسيير المرفق العام يتناقض مع مبدأ الموافقة المسبقة على أعمال عادية. كذلك فإن قانون المحاسبة العمومية يحول دون إجراء أي إنفاق من المال العام قبل عرض الموضوع على الديوان لأخذ موافقته المسبقة. كما تنص المادة 33 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة على أن الرقابة المسبقة للديوان هي من «المعاملات الجوهرية» لصحة وجواز الإنفاق. وكل إدارة عامة تخالف ذلك تقع حكماً ضمن دائرة عقود المصالحة التي تنظر فيها أساساً وزارة العدل من خلال هيئة التشريع والاستشارات.
حتى لو تمت الموافقة على مشروع العقد، خلال اليومين الأخيرين من السنة، ولم يتم الالتزام بتحويله إلى عقد مصالحة، فإن إشكالية أخرى ستنشأ من جراء وجود الحكومة في فترة تصريف الأعمال. فالوزير محمد شقير، المدعى عليه أصلاً من قبل النيابة العامة المالية بتهمة سوء إدارة المال العام، لا يحق له توقيع أي قرار أو إحالة أو عقد يرتّب على الدولة نفقات مالية.