أكثر من 160 ألف عامل يعملون في 5000 مصنع مرخّص لها، مهدّدين اليوم بالصرف من العمل بسبب الإقفال. فالوضع لم يعُد يحتمل الكمّ الكبير من الخسائر التي مُني بها أرباب العمل جرّاء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، ووقف التسهيلات المصرفية والتحويلات، ما حال دون تمكّنهم من استيراد المواد الأولية من الخارج.
عدم قدرة أصحاب المعامل على فتح اعتمادات لدى المصارف للإستيراد من الخارج وفق سعر الصرف الرسمي للدولار في ظلّ الإنهيار الحاصل في البلاد، انعكس خفضاً للرواتب في كل المؤسسات الى النصف وحتى الربع، إضافة الى خفض ساعات العمل وحتى إقدام عدد كبير من أصحاب المؤسسات على صرف العمال، كون التأزّم سيّد الموقف والإنهيار سائر على “الخط الصحيح”.
آخر صرخة آخر فرصة
هذا الجرح، والذي وضع الصناعيون عليه الإصبع مثلهم مثل سائر القطاعات الحيوية، لم يحظ بجرعة دواء من المسؤولين ولا يزال ينزف. فمصرف لبنان وجمعية المصارف لم يفيا على حدّ قول الصناعيين، بوعدهم السابق والذي قضى بتسهيل عملية فتح الإعتمادات لهم على غرار آليات استيراد الدواء والبنزين والقمح، ما دفع بمجلس إدارة جمعية الصناعيين بالتعاون مع كل المعامل الى إطلاق «آخر صرخة آخر فرصة»، يوم غد الثلثاء لتضاف الى صرخات متتالية سبق ان أطلقتها سابقاً.
ويقول نائب رئيس جمعية الصناعيين وعميد الصناعة الغذائية في لبنان جورج نصراوي لـ”نداء الوطن” إن “إقفال المزيد من المصانع بعد أن أقدم العشرات على وقف العمل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، سيتسبب بأزمة إجتماعية واقتصادية كبيرة”. مشدداً على أن “المصانع والمعامل التي تعمل اليوم تحاول أن تقوم بإجراءات تقشّفية إحترازية لتفادي الإفلاس والتوجّه نحو الإقفال، فهي تخفّض إنتاجها نظراً الى النقص في مخزون موادها الأولية وعدم تمكّنها من استيرادها كما كانت تقوم سابقاً بسبب الـ”كابيتال كونترول” على الحسابات المصرفية والتحويلات الى الخارج وسعر صرف الدولار المرتفع”.
ويضيف إن “التحرّك هو عبارة عن تجمّع الصناعيين في منطقة الـ”أرينا الجهة البحرية”، لاطلاق صرخة مدوّية علّ وعسى تلك الخطوة تؤتي ثمارها وتلقى الصدى لدى المسؤولين”، مشيراً الى أننا “سبق أن وجّهنا مطالبنا الى البنك المركزي الذي أبدى تجاوباً معنا، إلا أن تلك الوعود لم تدخل بعد حيّز التنفيذ”.
مخزون التجاّر نفد
وعن الصناعات التي تقوم بها غالبية المصانع، يوضح نصراوي أن “المعامل ترتكز في إنتاجها على المواد الأولية المستوردة من الخارج ليصار بعدها الى تصنيعها محلياً، وهي تتعلق بالمواد الغذائية والألبسة والمجوهرات، ومنها السمسم والطحين والزيوت النباتية والحمص والفول… أما المواد التي تصنّع محلياً من دون الحاجة الى استيراد موادها الأولية من الخارج فهي المربيات والخضار المعلبة والكبيس…”.
ويشير الى أن “بعض المصانع يقوم بتصدير نسبة 85% من إنتاجه الى الخارج الى أميركا والدول الأوروبية والمناطق الشرق أوسطية مثل الطحينة والدبس والرمان ومعلبات الخضار والكبيس…”.
ويؤكّد أن “مخزون التجار نفد لبعض الأصناف وسنشهد في الأسواق المزيد من النقص للأصناف والمواد الإستهلاكية نظراً الى التضييق الذي تقوم به المصارف على التجار والمستوردين وإلغاء التسهيلات المصرفية وتجميد الحسابات”.
اذاً، إنها الصرخة الأخيرة التي يطلق العنان لها الصناعيون بعد نداءات متتالية سابقة منذ 23 أيلول الماضي لدرء المزيد من الإنزلاق في الإقفالات وتفاقم أسعار السلع الإستهلاكية التي ارتفعت بنسبة تتراوح بين 40 و50%. علّ وعسى هذا التحرّك يلقى الصدى لدى السياسيين بالدرجة الأولى والمصارف بالدرجة الثانية لتسهيل فتح الإعتمادات، هكذا نصمد في وجه العواصف السياسية التي تجتاح اقتصادنا وأمننا الغذائي والمالي والإقتصادي وقريباً الاجتماعي.