جولة جديدة من معارك الثوار ضد المصارف ستتخذ من شارع الحمرا ساحة لها، بوقفة احتجاجية بعد ظهر اليوم امام المصرف المركزي، الذي يدعم المصارف التجارية بفرضها قيوداً غير مسبوقة على حسابات المودعين، والتي يجري تشديدها بخفض سقف السحوبات وامتدادها من حسابات الدولار إلى الحسابات بالليرة اللبنانية، حيث يسمح للمودعين بسحب مبالغ زهيدة من اموالهم بشكل استنسابي ومن دون أي سند قانوني، ما رفع نسبة مخاوف العملاء على مصير جنى عمرهم، لاسيما مع اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن المصارف “غير مجبرة على إعطاء الدولارات للزبائن، وإنما فقط الليرة”، وهو ما يخالف القانون الذي يُلزم المصارف بإعادة اموال الزبائن بالعملة التي تم إيداعها فيها.
كشفت الثورة اللبنانية الهوّة الكبيرة بين المصارف والمودعين، واضاءت على مساوئ النظام الاقتصادي والمصرفي. صفوف المواطنين الطويلة أمام المصارف والشجارات مع الموظفين اصبحت مشهداً يومياً، يترافق ذلك مع فقدان الثقة بالنظام المصرفي، لاسيما مع تداول معلومات عن عمليات تهريب أموال من قبل نافذين ومصرفيين إلى بلدان تتمتع بالسرية المصرفية. لذلك اطلق ناشطون حملة “مش دافعين” الرافضة للسياسة المالية لمصرف لبنان، حيث حثت المواطنين على عدم تسديد أقساط قروض المصارف، كخطوة اولى قبل الوصول إلى العصيان المدني.
اما رد المصارف فجاء كتهديد على لسان رئيس جمعية المصارف سليم صفير، الذي قال:”لا تهديد المصارف ولا إقفالها عنوةً ولا محاولات تخريبها وتشويهها ستأتي للمواطنين بالنتيجة المرجوّة، بل هذا ما سيسبّب ضغطاً إضافياً على المصارف”.
ما هو اكيد انه لا سندَ قانونياً صريحاً يجيز القيود التي تفرضها المصارف على اموال المودعين، فلم يتضمن قانون النقد والتسليف أي نصّ يتعلق بذلك، ما يعني إن إجراءات المصارف غير قانونية، وهي تستند على تعاميم جمعية المصارف التي ينحصر دورها بتنظيم العلاقة بين المصارف فقط، وليس بين المصرف والمودع.
اما الوديعة فهي علاقة تعاقدية بين المصرف والمودع، تخضع لقوانين واضحة كقانون النقد والتسليف، وقانون التجارة البرية، وقانون الموجبات والعقود، الذي ينص في المادة 701 على انه “لا يجوز للوديع أن يجبر المودع على استرداد وديعته قبل الأجل المتفق عليه إلا لسبب مشروع، وإنما يجب عليه أن يرد الوديعة حينما يطلبها المودع وإن يكن الموعد المضروب لردها لم يَحِلّ بعد”. في حين تنص المادة 307 من قانون التجارة البرية على ان ” المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يصبح مالكاً له ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادل دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع، أو بحسب المهل أو الإعلان المسبق المعين في العقد”.
وهذا ما اكدته المادة 123 من قانون النقد والتسليف، التي نصت على: “تخضع الودائع لأحكام المادة 307 من قانون التجارة”، ما يعني بشكل صريح ان على المصرف تسليم كامل الوديعة إلى المودع عند الطلب.
لذلك كله انتقل الخلاف بين المودعين والمصارف إلى أروقة القضاء. مئات الدعاوى القضائية تم رفعها لإلزام المصارف بتسليم الودائع كاملة، وقد صدرت أحكام لصالح المدّعين. وإلى جانب الدعاوى القضائية، تقدم محامون بإخبارات أمام النيابة العامة التمييزية ضد جمعية المصارف وممثلي المصارف فيها بتهم “تغيير أنظمة عمل المصارف، واختلاس أو تبديد أموال المودعين”.
يبدو واضحاً من خلال كل ذلك، ان المصارف مافيات مُنظمة، ومع وصول رئيس الحكومة الجديد تمت زيادة التضييق على المودعين بخفض قيمة السحوبات بالدولار في معظم المصارف، وارسال حاكم مصرف لبنان مشروعي قانون وتعميم الى رئيس مجلس الوزراء ووزير المال، فحواهما صلاحيات استثنائية، وتغطية المصادرة التي تنفذها المصارف وحمايتها من الملاحقات القضائية، والتوقف عن الدفع بالدولار، وحصر السحب بالليرة، وفرض الوصاية على المودعين.
كي لا يستمر مسلسل تسوّل المودعين لأموالهم وطوابير الغاضبين وهم يتدافعون للحصول على فتات من ودائعهم، اصبحت المصارف هدفاً للثوار ومن خلفها حيتان المال الشركاء في السلطة والفساد. المواجهة هذه المرة مصيرية، وهي تحتاج ليس فقط الى تحركات على الارض، بل الى تحركات قانونية في لبنان والمحافل الدولية.