يُحاول الصناعي أنطوان عطا الله تشكيل «لوبي» من سياسيين وصناعيين، لتقديم مشروع قانون في المجلس النيابي، يدعو إلى خفض الفائدة المرجعية على التسليفات للقطاعات المُنتجة، وصولاً إلى جعلها صفراً. بحسب الأرقام، لن تخسر المصارف من هذا الإجراء سوى 5% من الوفر الذي ستُحقّقه بعد خفض الفوائد على الودائع
يُخبر أحد الصناعيين اللبنانيين أنّ عائداته الشهرية تراجعت بنسبة 80 في المئة. هو واحدٌ من أرباب عمل كُثر بدأوا تطبيق نظام النصف دوام ــــ نصف راتب، مع تسريح عددٍ من العمّال «ولا سيّما من الجنسيات الأجنبية»، أي الفئة الأضعف من اليد العاملة، والتي تقبل غالباً العمل من دون ضمانات. «امتياز» الصناعي أنّه يملك فروعاً لشركته في أفريقيا، لا تزال تُشكّل له «مُتنفّساً» لتغطية تكاليف الرواتب، «ولكن من المؤكّد أنّنا سنُقفل بعد أشهر قليلة، إذا استمرّ الوضع الاقتصادي على ما هو عليه، أو تراجع أكثر وأكثر». ليس الرجل حالة استثنائية في البلد، تماماً كما أنّ الضرر اللاحق بقطاعَي الصناعة والزراعة ليس مُنعزلاً عن الأزمة التي تُهدّد بانهيار الوطن بكلّ مكوناته. إلا أنّ الصناعيين يعتبرون أنفسهم «حجر الزاوية والعمود الفقري لأي اقتصاد وطني»، حتى ببلدٍ كلبنان لا يُقيم أي اعتبار للقطاعات المُنتجة. ما هو مطلبهم؟ إجراءات عدّة، من بينها «تصفير الفائدة المرجعية (BRR) على القروض»، يقول الصناعي والمحامي أنطوان عطا الله، مُعقّباً بأنّ معظم الدول «تدعم الصناعات من خلال تقديم الحوافز لتسهيل عملها. نُدرك أنّه لا يُمكن في مثل هذه الظروف أن نطلب من الدولة إعفاءات للصناعيين، ولكن بإمكان المسؤولين الضغط لتصفير الفوائد على القروض. إما أن نُحافظ على ما تبقّى من صناعات، وإما أن يطير كلّ شيء بغضون أشهر». يتزامن ذلك مع بدء المصارف حجز أملاك المُتخلفين عن تسديد الفوائد على التسليفات، «يُريد القطاع المصرفي توزيع الخسائر على الجميع، ليكون بذلك قادراً على تبرير تفليسته».
صحيحٌ أنّ عجلة الحركة الاقتصادية مُعطّلة، لكن أليس مُستغرباً أن «تَهرّ» معامل ومؤسسات ضخمة بهذه السرعة، وخاصة أنّ بينها من بدأ تخيير العمّال بين الصرف أو تخفيض الرواتب، منذ الأسابيع الأولى لانطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول؟ يُفرّق عطا الله بين الصناعيين الكبار «الذين يملكون فروعاً في البلدان العربية والغربية، وديونهم كبيرة، وأولويتهم توفير كتلة مالية لتأمين الاستيراد»، وبين الصناعيين الآخرين «ممّن اقترضوا كثيراً من المصارف، ويعتمدون بشكل كبير على السوق المحلية. ومنذ أن بدأت الأزمة، تراجع مبيعهم ما بين الـ 80% والـ 90%».
بدأ عطا الله، بصفته مالك معامل وصالات عرض، تحرّكاً باتجاه النواب وجمعية الصناعيين، لتقديم مشروع قانون يؤدّي إلى «وضع سقف على الفوائد المدينة للمصارف، لوقف النزف الحاد، ولا سيّما للقطاعات المنتجة، منعاً للانفجارين الاجتماعي والاقتصادي الكارثيَّين، وذلك بشكل فوري».
تسعة أسباب موجبة، عرضها عطا الله، فذكر كيف أُهمل القطاع الصناعي، في حين أنّه «حتّى الدول المُنتجة للنفط تسعى جاهدة لإنتاج موازنات ترتكز على الصناعة خارج مدخول النفط»، فدعم القطاعات المُنتجة يُساهم في «رفع الصادرات، ويزيد من دخول العملة الصعبة، وأيضاً كفاية الاستهلاك المحلّي لتخفيف الاستيراد، ما يُساعد على تحقيق النموّ المنشود في الميزان التجاري». الضرر سيطاول أيضاً المواطنين المُهدّدين دوماً بخطر التسريح من العمل، فيما «دعم القطاعات المُنتجة يُحافظ على الوظائف ويخلق فرص عمل جديدة، تجنّباً لتشرّد العائلات أو تهجيرها والتسبّب بكارثة ومأساة اجتماعية». يشرح عطا الله في كتاب «الأسباب الموجبة لطرح مشروع القانون» الذي وضعه، أنّ تعميمَي مصرف لبنان بخفض الفوائد على الودائع «يُحقّق أرباحاً للمصارف على مجمل الودائع بما يفوق الـ 12 مليار دولار سنوياً»، في المقابل «لا تلتزم المصارف بالتعاميم التي تقتضي خفض الفوائد على المدينين، وخاصة القطاعات المُنتجة، بل لا تزال الفائدة المرجعية لسوق بيروت (تُعتمد كمرجع لاحتساب الفوائد على القروض) مرتفعة جداً، والإضافات عليها (تُضاف إليها نسبة تتراوح بين 2% و2.5% لمعرفة الكلفة الفعلية على الاقتراض.
ولكنّ عطا الله يقول إنّ الإضافات على بعض القروض تبلغ قرابة الـ 4%) متروكة لمزاج ومصلحة المصارف، التي ترفعها بشكل غير معقول ومقبول». كما أنّه ليس هناك سلطة رقابة «تُلزم المصارف بسقف على الفوائد المدينة، رغم أنّ هذا شأن يؤثّر على الاقتصاد الوطني، والأمن الاستراتيجي، وهو أمر وجودي مرتبط بمعيشة المواطنين». على هذه الأسباب، بنى عطا الله تحرّكه، وهو يُضيف لـ«الأخبار» إنّ الوفر الذي ستُحقّقه المصارف من خفض الفائدة على الودائع، «يسمح لها بتصفير الفوائد على قروض القطاعات المنتجة التي تبلغ نسبتها 6.1 مليارات دولار، وبذلك يكونون قد تكبّدوا 5% فقط من الوفر الذي حقّقوه. في حين أنّ إقفال المعامل سيؤدي إلى تهديد آلاف العائلات، وعندها ستكون الثورة الشعبية الكبرى».
يقول عبّود إنّ 40 ملياراً من القروض للقطاع الخاص من المستحيل تسديدها
أنطوان عطا الله صناعي يصف المصارف بأنّها سبب خراب البلد، ويتهمها بالتفريط بودائع الناس، بعد توظيف القسم الأكبر منها في خدمة الدين العام. ولكن في المقابل، هناك صناعيّون وتُجّار ومزارعون يبغون إعادة تصويب الوضع الحالي، مع الحفاظ على النظام القائم. الوزير السابق فادي عبّود، أحدهم. «لست مع تصفير الفوائد على القروض، بل لنكون واقعيين يجب تحديدها بـ 3.5% تقريباً، لأنّ المصارف بالنتيجة بحاجةٍ إلى المداخيل. لا مصلحة لنا بهدم القطاع المصرفي، بل يجب إعادته إلى دوره الطبيعي، وكما كان شريكنا في الربح، يتعيّن عليه أن يكون شريكنا في الخسارة». لماذا يُختصر الموضوع بقروض القطاعات المُنتجة، ولا يشمل ذلك قروض الأفراد؟ «لأنّ الأخير مُمكن تسديده بالليرة. هنا يجب أن نعود إلى أصل المشكلة، أنّنا قد نكون البلد الوحيد الذي لا يحترم معدّل الفائدة السنوية ــــ APR. مثلاً يأخذ شخص ما قرضاً بفائدة 10%، وعند التسديد يتبيّن أنّها أصبحت 12%».
يتحدّث عبّود عن عدم الوضوح «في كيفية احتساب معدّلات الفائدة المرجعية. كيف يصدر تعميم عن مصرف لبنان تُحدّد فيه الفائدة على الودائع، ولا يأتي على ذكر الحسابات المدينة؟ هناك 40 مليار دولار قروض للقطاع الخاص من المستحيل تسديدها في الوضع الحالي». يتوقّع الرجل من القطاع المصرفي «نشر كيفية احتساب معدّل الفائدة المرجعية، وكيف توصّلوا إلى تحديدها بـ 6.75% على التسليفات بالدولار؟ الشفافية غير موجودة، وتكون بشبه مباركة من المصرف المركزي».