نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً من بيروت حول الفساد المستشري في البلد. وأشارت في تقريرها الى مكامن محدّدة من الهدر والفساد في الدولة، مع التركيز على انّ المشكلة الاساسية تكمن في غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وإنجاز الاصلاح.
في البلد الصغير الذي تثقل المحاصصة السياسية والطائفية كاهله، لا يمكن إتمام أي معاملة في بعض الإدارات العامة أو تسريع إنجازها إلّا بعد دفع رشوى أو بموجب «واسطة». في الدوائر العقارية ومصالح تسجيل السيارات، في المرفأ وقطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات والضمان، تتعدّد أشكال الفساد ودرجاته.
على مرّ السنوات، استشرى الفساد وتحوّل تدريجياً إلى أحد مسبّبات الإنهيار الإقتصادي الذي يشهده لبنان منذ أشهر، وأحد أبرز الأسباب التي دفعت اللبنانيين للتظاهر بشكل غير مسبوق ضد الطبقة السياسية في 17 تشرين الأول والأسابيع التي تلت.
ورفعت الحكومات المتعاقبة في لبنان شعار «محاربة الفساد» ووقف الهدر في القطاع العام، من دون أن تُقدم على إجراء واحد لتنفيذ ذلك عملياً، كون غالبية الموظفين يتمتعون بحماية القوى السياسية التي عيّنتهم. وفي محاولة لاحتواء غضب الشارع مؤخراً، باشر القضاء خلال الأسابيع الماضية تحقيقات في قضايا عدة، بينها جرائم اختلاس وتبديد أموال وإهدار المال العام لمنافع شخصية.
إلّا أنّ خبراء وناشطين يشكّكون بجديّة المساعي، انطلاقاً من أنّ الطبقة السياسية هي أول المستفيدين من منظومة الفساد منذ عقود.
في آب 2017، أقرّ لبنان قانون سلسلة الرتب والرواتب، الذي منح موظفي القطاع العام علاوات. ونصّ أحد بنوده على تعليق التوظيف. رغم ذلك، تمّ لاحقاً توظيف 5 آلاف شخص في ظروف غامضة، وفق ما يقول مصدر في التفتيش المركزي.
وتمّ توظيفهم خلال فترة الانتخابات النيابية في أيار 2018، بهدف واضح بالنسبة الى كثيرين يتمثل في كسب ولائهم، ولم يخضعوا لاختبارات مجلس الخدمة المدنية، خلافاً للأصول المتبعة، ولم تكن هناك اعتمادات مسبقة لرواتبهم.
لا إرادة سياسية
يقول الناشط أسعد ذبيان من منظمة «غربال» المتخصصة في مكافحة الفساد، «إنّها رشوة سياسية، حين توظف أحد الأشخاص، تشتري ولاءه وولاء أقاربه في الانتخابات».
ويدرس البرلمان حالياً مشاريع قوانين تتعلّق باستعادة الأموال المنهوبة ورفع السريّة المصرفيّة. إلّا أنّ من شأنها أن تبقى حبراً على ورق، في «غياب الإرادة السياسية لتحقيق أي اصلاح»، وفق ذبيان. ويقول إنّ السلطات التي ترفع شعار مكافحة الفساد «لم تطرد موظفاً ولم تحاكم وزيراً أو نائباً».
تقاسم قالب الحلوى
يشكلّ عدد من السياسيين مساهمين رئيسيين في المصارف، وبعض المصارف مملوكة من سياسيين. ويعدّ لبنان بين الدول الأكثر مديونية في العالم، وقد استدانت الدولة الجزء الأكبر من المصارف مقابل فوائد مرتفعة.
ويشير الباحث الاقتصادي جاد شعبان، الى «تضارب مصالح» بين الطرفين يجعل «من غير الوارد أن يُقدم أي وزير أو نائب على أي خطوة ضد مصالح مؤسّسة يملك أسهماً فيها».
وتطال اتهامات الفساد مؤسسات رسمية تضطلع بتنفيذ مشاريع عامة، على غرار مجلس الإنماء والإعمار أو مجلس الجنوب.
ويقول نقيب المهندسين جاد تابت: «هناك يتمّ تقاسم قالب الحلوى»، موضحاً أنّه يصار إلى «توزيع الحصص على مختلف القوى السياسية ليكون الجميع سعداء، عبر منح مناقصات كبرى عقود البناء أو البنى التحتية لمقاولين مرتبطين بهذه القوى السياسية».
ويشكّل ملف التعدّيات على الأملاك البحرية أحد أوجه الفساد، فيما السلطة عاجزة عن إزالة منتجعات نشأت خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) على أملاك عامة، أو حتى عن فرض غرامات عليها.
وأثار بناء منتجع «إيدن باي»، الذي افتُتح عام 2018 على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، غضب ناشطين وحملات مدنية تحدثت عن مخالفات عدّة.
ويشرح تابت، أنّه رفع عام 2017 تقريراً إلى السلطات يفنّد فيه 8 مخالفات سمحت لمجموعة عاشور القابضة «بمضاعفة» مساحة البناء القانونية لهذا المنتجع، وبالتالي التعدّي على النطاق البحري العام.
إلاّ أنّ محامي المجموعة بهيج أبو مجاهد يرفض الاتهامات ويؤكّد أنّ البناء قانوني.
وعلّق مجلس شورى الدولة موقتاً ترخيص بناء المنتجع عام 2017، بناء على شكوى من ناشطين، قبل أن يسمح باستئناف الأشغال.