لا يلعب القدر دوراً ايجابياً مع أعضاء هيئة الرقابة على المصارف (كما بقية التعيينات المالية) والذين باتوا على مسافة أيام من انتهاء ولايتهم (تمّ تعيينهم في 12 آذار 2015)، خصوصاً أولئك الذين يرغبون في تجديد ولايتهم… اذ يصادف استحقاق تعيين الهيئة الجديدة مع أسوأ أزمة مالية – نقدية يواجهها لبنان في تاريخه، وقد لا يستثني اللبنانيون الهيئة من “حمم غضبهم” كونها كانت مكلفة مراقبة المصارف حيث أودعوا مدّخرات حياتهم، واذ بها تتبخّر بين ليلة وضحاها.
والمعروف أنّ لجنة الرقابة على المصارف تتألف من 5 أعضاء، يُعيّنون بمرسوم في مجلس الوزراء، لمدّة 5 سنوات، بناءً على اقتراح وزير المال، بعد استشارة حاكم مصرف لبنان. ويقضي العرف بأن يتوزّع هؤلاء الأعضاء على المذاهب الخمسة الأكبر، فتضم اللجنة رئيساً (سني) وأربعة أعضاء (شيعي وماروني وأرثوذكسي وكاثوليكي).
ومع أنّ قانون إنشائها ينصّ على أنها “لجنة مستقلة غير خاضعة في ممارسة أعمالها لسلطة المصرف المركزي”، إلا أن الواقع يدلّ على غير ذلك كلياً. فاللجنة خاضعة لوصاية حاكم مصرف لبنان “المالية”، فهو الذي يحدد موازنتها ويصرفها ويقرر مكافآت أعضائها وامتيازاتهم، وهو الذي يتسلّم تقاريرها ويتخذ القرارات بشأنها، ولا تمتلك هذه اللجنة أي شخصية معنوية لمقاضاة المخالفين أو ملاحقتهم أو إجبارهم على تصحيح أوضاعهم… إلا بأمر من الحاكم الذي يحمّله “المنتفضون” قسطاً لا بأس به من مسؤولية التدهور المالي الذي أصابهم. كما أنّ العلاقة “العضوية” بين المصارف واللجنة التي تراقب أعمالها، تزيد من الالتباس حول حقيقة دورها وفعالية مهامها، خصوصاً وأنّ قانون إنشاء اللجنة نفسه نصّ في مادّته الثامنة على وجوب تعيين عضو من أصل الأعضاء الخمسة تقترحه جمعية مصارف لبنان، وعضو ثان تقترحه مؤسسة ضمان الودائع التي تسهم المصارف في أكثرية رأسمالها.
هذا الواقع يسلط الضوء على مسار التعيينات التي يفترض أن يشهدها مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، اذ أنّ التجديد لأعضاء الهيئة أنفسهم (كما يرغب بعضهم) سيعرّض الحكومة لمساءلة شعبية ولانتقادات قاسية من جانب الرأي العام الذي لا يعفي المصارف وهيئة الرقابة عليها من مسؤولية “المصائب” التي حلّت عليه، حيث سيصعب اقناع الناس بأن معالجة ما بعد 17 تشرين الأول، ممكنة بـ”أدوات” ما قبل ذلك التاريخ المفصلي.
كما أنّ مجرد استسلام الحكومة للقاعدة “التسووية” التي كانت تعتمد في الحكومات السابقة لملء الشواغر الادارية، سيشرّع أبوابها لـ”عواصف” القوى السياسية التي تكمن لها “على الكوع”، كما للرأي العام “المحقون” الذي سيصبّ جام غضبه عليها. اختبار التعيينات سيكون صعباً جداً، وعلى الحكومة أن تثبت أنّها تلتزم المعايير العلمية، بمعزل عن الانتماءات السياسية، وأنّها تغلّب منطق الكفاءة على ما عداه.
ولهذا فإنّ باكورة التعيينات والمفترض أنها مالية، ستوضع تحت المجهر، ليبنى على الشيء مقتضاه. اذ تستعد الحكومة لاجراء سلّة تعيينات مالية دفعة واحدة وقد وضعتها تحت عنوان التعيينات الملحّة فحيّدتها عن التعيينات غير الملحة والتي أحالت مصيرها إلى لجنة وزارية يفترض بها مناقشة طبيعة الآلية التي ستعتمد لبتّ هذه التعيينات التي هي ذات طابع اداري.
أما التعيينات المالية فموزّعة على الشكل الآتي: نواب لحاكم مصرف لبنان، هيئة الرقابة على المصارف، مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، هيئة الأسواق المالية.
وهذا ما يفسرّ حرص وزارة المال، المعنية بالدرجة الأولى بالتعيينات المالية، على عدم الوقوع في مطبّ المحاصصة الرخيصة. اذ تؤكد المعلومات أنّ توجه وزارة المال هو لرفع ثلاثة ترشيحات عن كل موقع شاغر إلى مجلس الوزراء ليصار بعد ذلك الى اختيار اسم من بين الثلاثة، وذلك احتراماً لمعيار الكفاءة، ولو أنّ بعض القوى السياسية تضغط إلى الآن لتمرير هذه التعيينات على قاعدة “تقاسم المغانم”.