على أكثر من جبهة بات على الحكومة أن تواجه. الأولوية الملحة هي الحدّ من إنتشار فيروس “كورونا”، لكنها قبل أن تسارع إلى تلافي المصيبة كانت تتلقى سيلاً من الإتهامات التي سيقت بحقها من كل حدب وصوب. وكأنّ البعض وجد في هذا الفيروس ضالته لكي ينقضّ على الحكومة فذهب الى حد المغالاة بانتقادها، علماً انه ليس مؤكداً أن حكومة غير حكومة حسان دياب كانت ستكون اجراءاتها أفضل وأسرع وتيرة بدليل ما وصلت البلاد إليه من انهيار مالي واقتصادي بسبب سياسة الحكومات السابقة.
المقبل من عمل الحكومة لن يجعل الحال أفضل وهي تستعد لإقرار خطة إقتصادية فيها بنود موجعة لا محالة، وهذا ما يترقبه خصومها، علماً أن الحكومة لم تنته من وضع خطتها الاقتصادية بعد، وهي الآن عاكفة على دراسة المعطيات والأرقام ووضع البرامج على أن يتم الإعلان عن هذه الخطة خلال أسابيع. وتبقى الخشية من ان تكون الخطة عبارة عن أوراق تعرض للواقع ولا تتضمن أي شق تنفيذي، وأن تأتي المعالجات بعيدة من الواقع. ذلك أن عبء الحكومة كبير، حيث تشير أرقام الدراسات التي أعدتها مؤسسات محلية معنية ودولية الى أن لبنان يسير باتجاه ارتفاع صادم لنسبة الفقر فيه.
يتحدث المعنيون بملف الفقر في لبنان عن واقع خطير ومزرٍ سيكون عليه لبنان خلال الأشهر الستة المقبلة من السنة، ما يفترض مقاربة مختلفة وجدية من المسؤولين في الدولة لهذا الملف. فخلال العامين 2014 – 2015 كانت نسبة الفقر تترواح بين 7.5 بالمئة و 12 بالمئة كفقر مدقع، وفي العام 2010 بدأت الارقام بالتزايد نتيجة ارتفاع المديونية وأزمة النزوح السوري والخلاف السياسي المستفحل.
ومع بداية العام 2015 وصعوداً، بدأت الأزمة تكبر، وفي تقديرات للبنك الدولي ان الفقر يمكن ان يلامس نسبة الخمسين بالمئة في لبنان هذا العام. على ان خطورة تزايد الفقر تكمن أيضاً في الاموال التي قد تصرف لمواجهته ولا تعرف مصادر صرفها في بلد كلبنان، بحيث ترتدي الأزمة بعدها السياسي وتصبح المعالجة عرضة للتسييس كما درجت عليه العادة. ويشير المعنيون الى مجموعة عوامل ومؤشرات تشير إلى أن الأمور تسير نحو الأسوأ، مستفيدين من دراسة اجرتها احدى الشركات الدولية تفيد بأن ما يقارب 200 الف شخص فقدوا وظائفهم حتى الشهر السادس من العام 2019.
العامل الثاني السلبي هو وقف المصارف صرف الاموال لمودعيها أو تقنينها في وقت غابت القروض على انواعها وانعدمت التحويلات من الخارج، أي غياب التكافل الاجتماعي أو أي باب من ابواب المساعدة الاجتماعية للمواطن المعدوم.
هذا فضلاً عن أن الاعتماد على قطاعي السياحة والتجارة على حساب قطاعي الزراعة والصناعة جعل لبنان بلداً يقوم على الاستيراد لحاجياته بنسبة 70 بالمئة ما يعني زيادة في نسب الفقراء، وغياب الدولة وعدم وجود منظومة حماية اجتماعية عند المواطنين من طبابة واستشفاء وتعليم مجاني. مع الإشارة إلى أن 70 الف طالب من أصل 280 ألف طالب هم في الجامعة اللبنانية بينما نصف عدد التلامذة في لبنان يتلقون علومهم في المدارس الخاصة.
اما العامل الاهم والاخطر فهو يتمثل في تضخم العملة الوطنية وارتفاع اسعار السلع، وتؤكد بعض الاحصاءات الاولية ان معدل الاسعار ارتفع مئة وخمسين بالمئة خلال الساعات القليلة الماضية بسبب الكلام عن اعلان حال الطوارئ في لبنان.
كلها عوامل من شأنها ان تزيد من الفقر، خصوصاً أن اللبناني الذي اعتاد رفاهية العيش نتيجة السبل التي كانت تؤمن له ذلك من قروض إلى امكانية التقسيط إلى غيرها من التسهيلات، صارت اليوم معدومة وغير متوافرة.
بالأرقام والتفاصيل صارت أكثر من جهة لبنانية على علم بالواقع الإجتماعي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية، فكيف وقد اقفلت مؤسسات وأوقف الآلاف عن أعمالهم التزاماً بالاجراءات الوقائية في مواجهة “كورونا”. واذا ما طال أمد الأزمة كما هو حاصل في الصين مثلاً حيث الحد المتوسط للمواجهة زاد عن شهرين، فإن بلداً كلبنان ليس بمقدوره المواجهة حتى من الناحية الاقتصادية، خصوصاً مع شمول الاقفال المصارف أيضاً ما يضع البلد وحكومته امام شبه الكارثة الإجتماعية.