35 حالة جديدة سجّلها عدّاد كورونا أمس ليرتفع العدد إلى 368 حالة مثبتة مخبرياً، مع تسجيل حالتَي وفاة. هذا التصاعد في العدّاد دفع بمجلس الوزراء إلى تمديد حال التعبئة العامة أسبوعين إضافيين. قرار ترافق مع فرض حظر تجوال وإقفال عام لم يستثن حتى مصانع غذائية وصناعات هي بأمسّ الحاجة اليوم إلى رفع إنتاجيّتها وزيادة عدد ساعات العمل فيها
إلى الثاني عشر من الشهر المقبل، قرر مجلس الوزراء، أمس، تمديد حال التعبئة العامة وفرض الإقفال العام من السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً، سنداً إلى ما أوصى به المجلس الأعلى للدفاع. لم يكن منتظراً غير تلك الخلاصة التي جرى الترويج لها منذ يومين، تماشياً مع المسار الذي يسلكه الوباء، والذي يضع لبنان، حتى الآن، في خانة «الخطر الشديد»، على ما قال رئيس مجلس الوزراء، حسان دياب. فإما بلوغ ذروة تتخطى قدرة النظام الصحي على استيعابها، وبالتالي فتح البلاد على سيناريوات لا تحمد عقباها، وإما تمديد «فترة الحجر»، وبالتالي الحفاظ على مسار متوقع للإصابات. ولأن «فترة احتواء المرض تتطلب خمسة أسابيع»، كان القرار بالتمديد، مع فرض إجراءات مشدّدة تشمل إلى جانب الإقفال العام منع خروج وتجوال المواطنين في الشوارع والطرقات من السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً. فيما استثني من القرار «المطاحن والأفران والصيدليات والمصانع التي تنتج المستلزمات الطبية».
وفي وقت «صعّد» فيه مجلس الوزراء إجراءاته، لم يكن، في المقابل، ثمة ما يفسّر سبب لجوئه الى تلك التدابير، فلا هي حالة طوارئ ولا هي تفسّر حال التعبئة العامة المستمرة منذ ثلاثة أسابيع. وفي ظل تساؤل البعض عن الأسس التي استند إليها المجلس لفرض الحظر على الناس، دافعت مصادر حكومية عن القرار قانونياً، معتبرة أنه «وفقاً لحال التعبئة العامة المنصوص عليها بقانون الدفاع، يحقّ للحكومة اتخاذ هكذا إجراءات استناداً لإنهاء المجلس الأعلى للدفاع». وثمة ما يبرر أيضاً هذا الأمر، وهو «الحالة الخطرة والحساسة التي تفرض علينا اتخاذ قرار مناسب». ثالث الأسباب أن «لا مجال لفرض حالة طوارئ، فهي عدا عن كونها تفرض حالة عسكرية وأمنية في البلاد، تحتاج لإقرارها إلى تصويت في المجلس النيابي».
لكن، في مقابل التبريرات لحالة «اعتباطية» باتت أشبه بحالة «طوارئ مقنعة»، لم تكن مفهومة، في المقابل، قرارات المنع والحظر التي طاولت أنواعاً من الصناعات الأساسية. وقد جاء هذا القرار بعد أقل من 48 ساعة على «إخراج» المصانع على أنواعها من دائرة الحظر، على ما يقول وزير الصناعة عماد حب الله، مستغرباً هذا التوجه «الذي إن استمر فسيكون سبباً في قتل بعض الصناعات والمصانع». حب الله أكد أنه واجه القرار «بشدّة… إلا أنه لم يكن بإمكاني إقناعهم»، لافتاً الى أنه «بدل أن نفعّل الإنتاجية من خلال زيادة عدد ساعات العمل، جاء القرار بمثابة ضربة للصناعة». وأوضح أن «معظم المصانع ملتزمة بإجراءات الوقاية والتعقيم، وبالحد من التجمعات. واقترحت أن يكون هناك فرض عقوبات على المخالفين للحؤول دون إقفال المصانع لساعات هم بحاجة إليها». مع ذلك، يقول حب الله إنه أخذ «وعداً بأن يغيّروا هذا الوضع الإثنين المقبل (…) ونبحث من الآن في إمكانية العمل على متابعة العمل وفتح تلك المصانع». وتشمل لائحة المصانع التي شملها قرار فرض الإقفال ليلاً «مصانع المنتجات الغذائية على أنواعها من دون استثناء ومياه الشرب والأسمدة الزراعية وعلف الحيوانات ومستلزمات التعبئة والتغليف والحفظ من كرتون وورق وبلاستيك ونايلون وزجاج وخشب وألومنيوم والطباعة المخصصة للمنتوجات الغذائية والصحية والمنشورات التوعوية الصحية والتعبئة والتغليف».
بعيداً عن المقررات، يواصل عداد كورونا تسجيل إصابات جديدة، وبحسب تقرير وزارة الصحة العامة، بلغ مجموع الحالات المثبتة مخبرياً 368 حالة، بزيادة 35 حالة في الساعات الـ 24 الماضية، 72 حالة منها موجودة في العزل الصحي في مستشفى بيروت الحكومي. وحتى يوم أمس، لا تزال منطقة المتن تسجل النسبة الأعلى من الإصابات بعدد 65 إصابة، وتأتي بيروت في المركز الثاني (59)، تليها كسروان (42). كما أعلنت وزارة الصحة تسجيل وفيتين، ليرتفع عدد الوفيات إلى 6. أما عدد الحالات الحرجة، فهي بحسب تقرير مستشفى بيروت الحكومي «4 حالات»، فيما تماثلت إلى الشفاء 3 حالات جديدة، ليرتفع العدد إلى 23.
من جهة أخرى، واصلت وزارة الصحة تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الوطنية التي تستهدف تجهيز المستشفيات الحكومية. وزار وزير الصحة حمد حسن مستشفى البوار الحكومي، وأعلن من هناك تجهيز قسم خاص في المستشفى للكورونا خلال أيام. ومع انضمام البوار إلى اللائحة، يصبح عدد المستشفيات الحكومية، المجهزة منها أو تلك التي في طور التجهيز، 13 مستشفى وخمس مستشفيات خاصة.
ومن البوار، ردّ حمد على التعليقات المتداولة أخيراً حول انتقال فيروس كورونا عبر الهواء، مطمئناً المواطنين إلى أن هذا الفيروس «يحتاج إلى خليّة حيّة ليعيش فيها، وبالتالي فهو لا ينتقل عبر الهواء ولا يشكّل خطراً على الحياة إلا في حالات نادرة».
مع ذلك، ليست كل الجوانب «مشرقة». فما أعلنه حمد من البوار لا يعكس واقع الحال مع فيروس كورونا المستجد، وخصوصاً في الشق المتعلّق بإجراء الفحوص و«التجارة» التي تمارسها بعض المختبرات. وينطلق هاجس البعض في وزارة الصحة العامة، اليوم، من «طفرة فحوص الـ pcr»، والتي وصلت إلى حدود 5700 فحص، بحسب تقرير لجنة الكوارث. وهي النسبة «التي تفوق عدد الفحوص التي تجرى في فرنسا، إذا ما أخذنا في الاعتبار نسبتها إلى عدد السكان». وتبرّر المصادر هذه الطفرة «باستغلال عدد من المختبرات خوف الناس لغايات تجارية». من هنا، بدأت وزارة الصحة العمل وفق توجهين أساسيين، وهما التشدد في إجراءات التشخيص «من خلال العمل على حصر التشخيص بالأطباء، على أن تجرى الفحوص للحالات التي تحتاج إليها سنداً إلى تقرير الطبيب»، وهذا يعني في المقام الأول العمل على منع المختبرات من إجراء الفحوص بلا «سند طبي». في التوجه الثاني، تسعى وزارة الصحة إلى التشدّد «في موضوع نقل العيّنات من الحالات المشتبه في إصابتها، من خلال العمل على أن يصبح سحب العينات في المكان نفسه الذي من المفترض أن تصدر منه النتيجة»، وما يتبع ذلك من اعتماد مختبرات محدّدة، لتفادي «الأخطاء التي واجهناها سابقاً، ولا نزال نواجهها في إعطاء نتيجتين مختلفتين لحالة واحدة».
وهو ما كشف عنه، أمس، رئيس الهيئة الوطنية الصحية، الدكتور اسماعيل سكرية، محذّراً من «فحوصات غير دقيقة للكورونا». وقد عزّز كشفه هذا بـ«تأكيد من مدير إحدى أهم المؤسسات الاجتماعية في بيروت ولبنان، والذي أشار إلى أنهم تلقوا نتيجة متضاربة لفحص PCR للشخص نفسه ما بين مستشفى الحريري وأوتيل ديو، رغم إعادتها مرتين». ولأن «المطلوب التشدد بالرقابة والاستعانة بالتصوير الطبقي المحوري المصدر CT»، بحسب سكرية، تتجه وزارة الصحة إلى حصر الفحوص في مختبرات محددة، إلا أنها إلى الآن «لم تعتمد أياً من المختبرات الخاصة، وخصوصاً أنها لم تستوف الشروط التي وضعتها الوزارة والتي تستند فيها إلى توصيات وشروط منظمة الصحة العالمية». واستناداً لذلك، أعلنت الوزارة أن عدد المختبرات المعتمدة إلى الآن من قبل الوزارة، لا تزل تنحصر في سبعة تابعة لمستشفيات جامعية، وهي مختبرات مستشفيات بيروت الحكومي والقديس يوسف (merieux) والجامعة الأميركية ورزق والقديس جاورجيوس وبعلبك الحكومي وعلاء الدين.
كان من المفترض أن تحمل جلسة الحكومة، أمس، إصدار قرار في ما يخصّ اللبنانيين في الخارج، من طلاب ومقيمين، أو هذا ما كان يعوّل عليه العالقون في بلدان الاغتراب، وجلهم من الطلاب. لكن، على عكس التوقعات، جاء القرار «على مهل»، إذ نص على تشكيل لجنة وزارية لمتابعة أوضاع اللبنانيين في الخارج، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية نائبة رئيس المجلس ووزراء الخارجية والمغتربين والصحة العامة والأشغال العامة والداخلية والبلديات والمدير العام للأمن العام. كان الحري، هنا، بدل تشكيل لجنة، التحلي بالجرأة وإصدار قرارٍ بإعادة هؤلاء فوراً إلى لبنان، ولا يتطلب الأمر أكثر من اتخاذ إجراءات لوجستية من التواصل مع السفارات في البلاد التي يقيمون فيها لتحضير لوائح بأسمائهم والتنسيق مع الدول لتجهيز عودتهم إلى بلادهم. ولئن كان «عذر» الدولة هنا أن لا قرار يمكن اتخاذه في ظل توقيف حركة الطيران، أضف إلى أنه «لا يمكن إعادتهم إن لم يكونوا قد خضعوا لفحوص فيروس كورونا»، كما لفت وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي أخيراً، إلا أن ما يمكن فعله هو إخضاعهم للفحوص وإجراءات الحجر لحظة وصولهم إلى مطار بيروت، وهو ما يطالب به العالقون في معظم بلاد العالم الموبوءة.