تحتاج حكومة “مواجهة التحديات” هذه الى التواضع والتبصّر علّها تحظى بذاك الشعور الانساني- الاخلاقي وتحسّ بوجع الناس. خلال الايام القليلة الماضية، قرر عدد من المواطنين اختيار الموت الكوروني بدلاً من الموت الاقتصادي بما أنّ الاول يجنّبهم ربما سماع أصوات أولادهم الجياع يصرخون. ربما فات الحكومة أن هناك فئة من الناس ليس بمقدورها الانصياع للحجر الذاتي وهي أصلاً لا تملك حداً أدنى من الغذاء لتتمكن من تطبيق الحجر ما يضعها أمام حلّ من اثنين لا ثالث لهما: إما المخاطرة بالاصابة بـ”كوفيد 19″ واما الموت جوعاً…وذلاً.
يبلغ عدد العائلات الأكثر فقراً بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية حوالى 15 ألف عائلة. كان ذلك قبل استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية بالتزامن مع الانتفاضة التشرينيّة حيث بات نحو 50% من الشعب تحت خط الفقر فيما 35% تحت خط الفقر المدقع وهذا الرقم قابل للانفجار ان لم تتخذ الحكومة التكنوقراطية المزعومة حلولاً “جدّيّة”.
لكن من أين تبدأ الحلول وحتى الساعة “حكومة اللجان” لا تزال تتفرّج ولم تقم بتدبير إصلاحيّ واحد، كما وأنها لم تخجل من المضي قدماً بنهج سابقاتها من نهش ما تبقى من مناصب ومراكز معتمدة النمط التحاصصي عينه، وسياسة تأجيل المشكلات وتأخير قرار اللجوء الى صندوق النقد الدولي. تلتزم الحكومة مقاربة واحدة، هي رمي المسؤولية على المصارف والمجتمع المدني الممنوع حتى من التصفيق له ولمبادراته.
اما الخطيئة الثانية التي ترتكبها الحكومة فهي الاحجام عن اتخاذ القرارات الإصلاحية والتفرّغ لتقاسم غنائم التعيينات. وبالحديث عن التعيينات، أين أصبح تعيين مجلس ادارة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للقطاع وأين التعيينات القضائية ولماذا نامت في الأدراج؟
أين خطة ماكينزي التي كبّدت الخزينة العامة مليوناً و200 ألف دولار؟ ولماذا لا تُعتمد كخطة إصلاحية وكمنفذ لبث الحياة في القطاعات كافة خصوصاً منها تلك التي بحاجة الى إنقاذ سريع، فهذه الخطة بمثابة ورشة على القطاعات والمؤسسات والادارات والاتفاقيات.
وأين هو وزير الاقتصاد من حماية المواطنين بعد الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الاستهلاكية بين شباط وآذار وصولاً إلى ملامسته مستوى 60% منذ أواخر تشرين الأول؟
في الواقع، لقد انتشل الوباء الكوروني هذه الحكومة وانتشل معها وباء نظامها التحاصصي على حساب اللبناني ودولته، فمنح السلطة الحاكمة فسحة جديدة لتعيث فيها فساداً وإفساداً بعيداً عن ضعط الثورة والناس… أما عن رشوة الـ400 ألف ليرة لكل عائلة محتاجة، فهذه ليست سوى قيمة المواطن الجائع والمحاصر من “كوفيد19” في نظر حكومة رصدت لنفسها 19 مليار دولار كنفقات حكومية!