لم يقتنع مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني بما أذن له وزير المالية علي حسن خليل فعله، أي الردّ على الرئيس فؤاد السنيورة عبر بيان فقط، بل شرع الى عقد مؤتمر صحافي كشف فيه عن «فظاعات» ارتُكبت في وزارة المالية وعن تدخّلات سياسية، وتغييبٍ لدوره في الإدارة على مرّ سنوات، وللردّ المباشر على مَن اتهمه بعدم القيام بمسؤولياته وواجباته الإدارية. وأكد بيفاني أنه أنجز اليوم مسؤولياته الإدارية وهو «مستعدّ للمثول امام القضاء في حال استدعائه وتقديم افادته». بيفاني يعتبر أنه «ليس معنيّاً إطلاقاً بالمواجهات السياسية بل فقط بإنجاز الحسابات».
وحول إمكانية حلّ الموضوع عبر تسوية سياسية، قال إنه زوّد المراجع القضائية المعنيّة بالحسابات المنجزة بالكامل، وأصبحت المسؤولية خارج نطاقه.
وردّا على سؤال لـ«الجمهورية» أوضح أنه «لم يقدم استقالته لغاية اليوم رغم كلّ الضغوطات وعمليات الترهيب والترغيب»، لأنه كان منشغلاً في إنجاز الحسابات، وأنه كان تعهّد لنفسه بعدم مغادرة وزارة المالية لأيّ سبب كان من دون الانتهاء من هذا الملف المزمن.
وشدّد على أنه رفض التسويات التي كانت تُطرح عليه، وبقي مصرّاً على إنجاز الحسابات من أجل انتظام المالية العامة.
وكان بيفاني قد تلا في بداية مؤتمره بياناً قال فيه: «نعم وضعنا حدّاً لعدم إمكانية كشف الاستهتار بالمال العام، ووضعنا الأسسَ والآليات الصحيحة لصونه، بعدما كانت المستندات الثبوتية مرميةً للجرذان والعفن، وبعدما كانت عملية دفع لصندوق معيّن تُسجَّل في حساب يعود الى مؤسسة أخرى فيُحرم واحد ويعطى الآخر، وبعدما كانت الهبات تُصرَف بلا حسيب أو رقيب -ملف الهبات- وبعدما كانت أوامر الرؤساء تخالف الأصول وتخترع المراسيم الوهمية حيث لا يوجد مرسوم -كما في حال الهبة الأوروبية- وتُفتح الحسابات خارج حساب الخزينة حيث لا يمكن مراقبتها في مخالفة صارخة للقانون، وتُعطى سلفات إلى بعض الجهات ثمّ تُبين المحاسبة أنّ المستلف له مال مع الدولة وليس العكس -سلف الاتصالات- وبالتالي توجد إمكانية لعدم استرداد او تسديد سلفات مضت».
أضاف: «نعم وضعنا حداً لهذا التسيّب بعدما صفّرت الموازين اعتباراً من عام 1993، واحتاج الامر الى سنوات طويلة ومضنية لإعادة تكوينها. لقد كانت الانظمة تسمح بالتلاعب الدائم -مستند تغيير القيود- والقروض لا تُسجَّل، وحساب الدين تنقصه مليارات الدولارات الواقعة على أكتاف الأجيال الصاعدة، وتوزَّع سندات خزينة دون قيدها، وتوجد سلف موازنة لم تُسدَّد منذ التسعينات، وتمكنّا من تحصيل أموالها بفضل عملنا، لم تكن الشيكات تحصل وقد حصلناها بعد مرور زمن طويل، وقد كشفنا أيضاً حوالات تمّ تزويرُها بسبب إمكانية التلاعب بالانظمة وعدم ربطها ببعضها في ذلك الحين، كما اكتشفنا فوائد على القروض غير مسجّلة بشكل صحيح وتم تسديد قرض غير مقر بقانون من مجلس النواب. وقد كشفنا ايضاً أنّ أحد المستشارين المقرّبين الذي أُعطي كامل الصلاحيات في ملفَّي التقاعد والبلديات كان يحوّل أموال المتقاعدين إلى حسابه الشخصي، وقد تمّ توقيفه».
أضاف: «الضرورة الثانية لهذا المؤتمر الصحافي، هي انّ احدهم استهدفني بالشخصي متسائلاً هل يوجد مدير عام؟ وتحدث عن مسؤولياتي. وعن ضرورة أن أُسأل، وأنا طبعاً أرحّب بالسؤال. ربما حان الوقت ليفهم البعض أنّ الناس يعرفون تماماً مَن يصدقهم ويعرفون ايضاً مَن يحتاج إلى حشد الجماهير ليأمل أن يصدق. أولاً، أنا جئت الى الوزارة في عام 2000، وليس عام 99 ومعظم الفظاعات الإدارية جاءت في التسعينات قبل تعييني في الوزارة، وهي التي أعاقت العمل بشكل كبير كما يعرف الجميع».
أردف: «سأعطي امثلة عمّا فعلته في السابق، فقط لإظهار الغضب الذي يعتري البعض من إنجاز الإدارة للحسابات، ما سمح لي أن أُحيل الى الأجهزة الرقابية، بشكل موثق كامل، الملفات التالية: ملفات الهبات، وسلفات الخزينة وسلفات الموازنة والقيود الموقتة والصندوق والمصرف والقروض والسندات والأموال المودعة وغيرها، وكل منها حافل بالمصائب.
وحوّلت الى الهيئات الرقابية ملفات الهبة الأوروبية 1 والهبة الأوروبية 2 وتزوير الحوالات وحوالاتي الدفاع المدني وتزوير أوامر قبض وشيكات مرتجعة استُبدلت، وتسديد قرض غير مسدَّد بقانون وسلف الموازنة العالق تسديدها في حساب الأمانات وسلفة ملتزم وتزوير في الميكانيك وغيرها وغيرها».
أضاف: ما أنجزناه هو إعادة تكوين الحسابات المالية وكشف الأخطاء والمشكلات والعجائب فيها، واحالتها بحسب الأصول الى السلطات المعنية، اما مسألة ما سُمّي 11 مليار دولار، فهي من صلاحيات المجلس النيابي، وليست سوى جزء بسيط من مسألة الحسابات. إنّ إقرار الموازنات توقف عام 2006، وأدّى ذلك إلى إنفاق غير مشرَّع تخطى الـ11 مليار دولار، والسؤال هو لماذا يفصل المرء مخالفة الدستور عن إقرار الموازنات؟ ربما لأنّ عملنا حينئذ كان أدّى إلى كشف حقيقة وضعية الحسابات المالية، التي يجب أن تُعرض مع الموازنة.
وفي الحوار بعد المؤتمر سئل بيفاني: هل مرجعيّتك السياسية هي التي طلبت منك أن تعقد المؤتمر اليوم؟
أجاب: «ليست لديّ مرجعيات سياسية في عملي، لديّ مرجعيات سياسية أحترمها وأجلّها، ولكنّ هذا عملي في الإدارة وأطبق القانون».
سئل: ألا تعتقد بالسياسة أنّ هذا الموضوع هو محاكمة لطرف معيّن استلم الحكم في لبنان منذ العام 1992؟ هل هذا الموضوع يمرّ بالسياسة؟
أجاب: «إذا كان هنالك تراشق سياسي فلماذا أقحمتُ الإدارة ولماذا أُقحم المدير العام؟ هل أنا من فتحتُ النار؟ هل تقبلون بأن يتعرّض أحد لأيِّ مسؤول إداري في البلد ولا يكون له حقّ الرد وحقّ أن يقول هذا ما فعلت؟