يندرج “كوفيد ـ 19” في خانة الحالات الاستثنائية الكارثيّة غير المتوقّعة. في حالات مماثلة، تتّخذ الحكومات تدابير خاصة وتتحمّل كامل مسؤولياتها تجاه شعبها. أما حكومتنا فتكتفي برمي كرة النار على شركات التأمين قسراً. والحكومة عينها لا تتأخر بصرف مئات الملايين على نفقاتها لكنها تصبح فجأة عاجزة عن تأمين الكلفة الاستشفائية لـ 500 مصاب بالوباء الكوروني.
طوال الاسبوعين الماضيين، صوّرت نقابة أصحاب المستشفيات شركات التأمين على أنها المستبدّ الأعظم. صحيح أن شركات التأمين تحاول وفي الكثير من الاحيان التملّص من مسؤولياتها، لكن وفي المقابل، لا تفوّت مستشفيات عديدة فرصةً لاستغلال القطاع التأميني عبر فواتير استشفائية تصبح فجأة مضخّمة بمجرّد أن المريض يحمل بطاقة تأمينيّة. واذا كان وزير الاقتصاد والتجارة قد ألزم القطاع التأميني بتغطية كل المصابين، لماذا لا يضغط وزير الصحة على المستشفيات ويلزمها بالتّرفّع عن المصالح الخاصة وتقليص نسب أرباحها خصوصاً وأن العلاج الكوروني ليس “مفذلكاً” ولا يتطلّب بالتالي أدوية مكلفة ولا علاجات مركّبة؟
اجتمع وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه أمس بالمجلس الوطني للضمان في السراي الحكومي. اللقاء الذي حضره ممثّلون عن شركات التأمين خُصّص لمناقشة القضايا التأمينية. خلال الاجتماع الذي وصفته أوساط مشاركة بالمتوتّر، احتدم النقاش بين الوزير وممثلي القطاع التأميني على خلفية أن شركات التأمين لا تقوم بدورها، ليجيب الممثلان أن الضغط كله مصبوب على القطاع التأميني في حين أن وزارة الاقتصاد ومعها وزارة الصحة لم تقوما بمطالبة المستشفيات وبالضغط عليها من أجل القبول بتسعيرة الضمان، لينتهي بعدم التوصل الى حلّ نهائي وذلك في ظلّ حضور رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان ذات الدور المغيّب.
في هذا السياق علمت “نداء الوطن” أن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه يعمل على قرار يُلزم بموجبه كلّ شركات التأمين بتغطية المصابين المؤمّنين بالفيروس التاجي علماً أن الشركات كانت قد أبدت استعدادها لذلك منذ نحو اسبوعين. لكنّ المستغرب بحسب أوساط متابعة، الزام شركات التأمين بالانصياع وحدها الى قرار وزير الاقتصاد والتجارة تحت راية مصلحة المواطنين العامة ولكن من دون أن يقابل ذلك أي تدبير يجبر المستشفيات بحدّ أدنى من التنازل.
تتطلب المرحلة الراهنة تضحيات من الجميع “اجتماعياً وإنسانياً”. أما ما يحصل حتى الساعة فلا يمكن وصفه الا بالظلم للقطاع التأميني من دون أن تقدم المستشفيات شيئاً سوى إيجاد سبل لمراكمة الارباح وكل ذلك من دون حد أدنى من الدعم من قبل الدولة التي بذمّتها للمستشفيات الخاصة مبالغ طائلة. أما النتيجة فمزيج من التخبطات والمماطلة وإضاعة الوقت، وكلّها لم تنتج في الواقع الا وعوداً من قبل وزارة الاقتصاد لناحية حلّ هذا الموضوع. ومن دون أي تدخل من قبل مجلس الوزراء الذي اكتفى بترك هذا الملف الشائك بين يدي وزير الاقتصاد راوول نعمه منفرداً، علماً أن مفاعيل الخلافات بين القطاع التأميني والمستشفيات بدأت تتفشى في 21 شباط الماضي، أي منذ حوالى اشهر ونصف من دون أي قرارات حازمة من قبل نعمه.
على خط موازٍ وان كانت المسؤولية كاملة تقع على عاتق القطاع التأميني، لماذا لا يتم إشراك صناديق التعاضد التي اقتطعت نسباً كبيرة من حصة هذا القطاع علماً أنها معفاة من الضرائب ولا سلطة رقابية عليها، فهل تكون النيّة من خلال كلّ ما يجري كسر شركات التأمين ونقل ثرواتها الى المؤسسات الاستشفائية ؟
أما عن تعاطي المستشفيات مع المرضى، فقد جرت العادة على ألّا يتكبّد المؤمّن الذي يدخل مستشفى أي أعباء نفسية كانت أو مادية فهو يكتفي بإبراز بطاقة تأمينه، ومن ثم يُتابع الملف بين المستشفى وشركة التأمين عبر مكاتبها المنتشرة في أروقة المستشفيات الخاصة. لكن البدعة الاخيرة التي تنتهجها مستشفيات كثيرة تتمثل برفض استقبالها مصابين بـ”كوفيد 19″ حتى ولو كانوا مؤمنين، الا بعد دفعهم سلفة (deposit) على أن يسددوا قبل خروجهم المبلغ الاستشفائي كاملاً. أما حجة هذه المستشفيات فغير موجودة حيث تبرر نفسها بالخلاف مع القطاع التأميني طالبة من المرضى وفي ظروف اقتصادية رديئة أن يحصّل أمواله من شركة تأمينه.
لا يبرّئ الهجوم الذي شنّته نقابة أصحاب المستشفيات على شركات التأمين ذمّتها فهذه المؤسسات، تبقى تجارية وهي بذلك تبغي الربح…لا بل الكثير منه. أما الحكومة التي تتهرب من مسؤولياتها كافة لتحمّلها الى القطاع الخاص، فلتقم بذلك على الاقل بعدالة ومساواة بين القطاعين التأميني والاستشفائي.