التصريحات الرسمية من وزير المال الى حاكم مصرف لبنان بأنه ليس في الوارد خفض سعر الليرة وان هذا الخفض ليس من مصلحة البلد، يتوافق مع تجربة لتركيا التي رغم ما لديها من طاقة تصديرية وسياحية تزداد قوة بخفض العملة، فان قرار خفض عملتها أدّى الى نتائج عكسية كان منها ارتفاع مديونية آلاف الشركات والأفراد وهروب رساميل ما اضطرها الى رفع الفائدة السيادية الى ما يقارب الـ20%.
وفي حال لبنان اليوم، فان الرساميل تهرّب والرساميل الجديدة لم تعد ترد الى لبنان، فكيف وقد جرى خفض الفائدة أخيراً بحيث لم تعد جذابة للإيداع في المصارف اللبنانية التي تعاني أصلا من تراجع الثقة. بدليل انه يستمر ارتفاع عجز الحساب الجاري الى رقم غير مسبوق بحوالي 27% من الناتج المحلي لعوامل عدة بينها التباطؤ المستمر في دفق الودائع ما أدّى الى بلوغ العجز في ميزان المدفوعات بين الأعوام 2011 و2020 بشكل تراكمي 20 مليار دولار في 10 سنوات.
علماً انه قبل الأزمة المصرفية الأخيرة سبق لصندوق النقد الدولي أن اقترح في تقريره عن لبنان، انه إذا استمر تراجع نمو الودائع، فان على مصرف لبنان أن يتشدد في تقييد السيولة، وأن يرفع أسعار الفائدة لتأمين تدفقات جديدة بالنقد الأجنبي، بدلا من الاعتماد على الهندسات المالية، وان مثل هذا المنهج – حسب الصندوق – سيساعد في تحسين وضع العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان وخلق حوافز للمصارف تشجعها على إعادة بناء السيولة الوقائية، مع الحد من مخاطر ارتفاع الدولرة من جديد، وتمتين هوامش الأمان في النظام المصرفي وتنسيق أوزان المخاطر السيادية مع الأوزان المحددة في اتفاقية «بازل» بما يتوافق مع مواصفات المخاطر.
إلا ان هذه التوصيات من الصندوق، كانت قبل نشوب الأزمة المصرفية وانحسار الثقة بما أقفل الباب على تدفق ودائع واستثمارات جديدة بالعملات الصعبة، حتى ولو عادت المصارف الى رفع الفائدة، وبالتالي فان الخفض الرسمي لسعر الليرة، سيكون بمثابة «رصاصة الرحمة» على أي آمال جديدة لأي انتعاش نقدي. ومن هنا فان تصريح وزير المال بأن خفض سعر الليرة ليس في مصلحة البلد وأن مثل هذا القرار ليس واردا في المدى المنظور، يعكس الوضع النقدي والمالي والاقتصادي الحالي كما هو في لبنان الآن، حيث الخيارات تضيق ولا مجال فيها لخفض يشجع التصدير أو السياحة، وهو إجراء ليس أهون الشرّين من مجموعة بدائل، بل ربما أصعبها وأشدّها من حيث المخاطر النقدية والأضرار المالية والاقتصادية.