تلألأت عيون آلاف المودعين، و”طار” بعضهم من الفرح على خلفية قرار القاضي محمد مازح، بإلقاء الحجز التنفيذي على موجودات بنك لبنان والمهجر فرع صور، وإرغامه على دفع 15 ألف دولار أميركي “نقداً” لأحد زبائنه (حسن مغنية)، لأن الشيك المصرفي لم يعد وسيلة ايفاء وابراء. كثيرون بنوا قصوراً في مخيلاتهم، واستفاضوا في احلام لمس دولاراتهم من جديد، واصبحوا يعدون الدقائق والثواني لاستنساخ تجربة مغنية ودفع البلاء عن واقعهم.
“سأرابض على مدخل المصرف، وسأشهر في وجه المعنيين قضية مغنية للحصول على وديعتي، وان رفضوا فالقضاء بيننا فيصل، والظاهر انه لن يخذلنا بعد الآن”، يقول فؤاد أحد مستوردي الالبسة من تركيا، الذي تعطّلت اعماله منذ بدء المصارف الامتناع عن تسييل الودائع بالدولار نقداً.
أمل فؤاد يتقاطع مع آمال آلاف المودعين، الذين وإن اختلفت مصالحهم اتفقت همومهم ومشاكلهم. “إلا ان ما لا يعلمونه هو سابقة لن تتكرر”، يتوقع أحد المحامين. “فدفوع وكيل المستدعي بحجة عوز موكله إلى الأموال بشكل طارئ وعدم قدرته على الاستفادة من الشيك المصرفي بسبب الظروف القاهرة واقفال المصارف، قد تكون اقنعت القاضي باتخاذ هذا القرار. إلا ان عودة فتح المصارف ستنفي الحجة بالدفع نقداً”.
ليس قوة إبراء
“الرسالة من وراء القرار في مكان آخر” يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن، فليس القرار بالحجز هو المهم برأيه، بل “ما يهم هو صدور قرار جديد عن قاضي التنفيذ يعتبر فيه ان الشيك المصرفي ليس وسيلة دفع في هذه الظروف ولا يملك قوة إيفاء وإبراء”.
لا يعكر صفو جمالية هذا القرار اليتيم الا العودة بالذاكرة الى اجتماع المصارف الشهير مع مدعي عام التمييز غسان عويدات، الذي طيّب خاطرهم وشرّع إجراءاتهم بعد قرار النائب العام المالي بالحجز على أصولهم. وقتذاك جرى الاتفاق على سبعة بنود اساسية وهي تمكين المودعين من سحب 25 مليون ليرة لبنانية شهرياً. امكانية قبض الراتب بالليرة اللبنانية كاملاً عند الطلب. وجوب دفع المصارف كلفة التعليم والأقساط في الخارج بالعملة الصعبة بعد تقديم المستندات اللازمة. تأمين التحويلات اللازمة بالنسبة إلى المستلزمات الغذائية الضرورية.عدم تحويل أموال المودعين من العملة الأجنبية، إلى الليرة اللبنانية من دون موافقة أصحاب الحسابات. حرية التصرّف الكامل بالـFresh Money من ناحية السحب والتحويل. كما عمدت المصارف إلى دفع كامل المبالغ بالعملات الاجنبية عند الطلب لكن بواسطة شيك مصرفي، يُجبر العميل على وضعه في غير مصرف، وبالتالي العودة الى النقطة صفر.
عدم قدرة العميل على تسييل الشيك المصرفي وخضوعه الى إجراءات التجميد لأشهر طويلة، ومن ثم تقسيط الاموال، قبل كورونا، بمئة دولار اسبوعياً، ينفي صفة الايفاء والابراء عن الشيكات بحسب مطالعة المفكرة القانونية. وعليه فان الاجتهاد الأخير الصادر عن رئيس دائرة تنفيذ صور يعتبر خطوة بالاتجاه الصحيح.
لكن هل من الممكن ان يبنى على هذا القرار ليصبح قاعدة وليس استثناء؟
يجيب المدير التنفيذي لـ “المفكرة” المحامي نزار صاغية بانه “من الممكن البناء على هذا القرار لتدمير حجة المصارف بعدم توقفها عن الدفع من خلال استعمال الشيك المصرفي”، إلا ان الجهد يصطدم بعقبتين اساسيتين بحسب صاغية وهما:
أولاً، القرار القضائي لا يعمم، ولا يعتبر ملزماً للجميع فهو يختص حصراً بأصحاب العلاقة. أما ثانياً، فان القرارين المشابهين اللذين اتخذهما القضاء لصالح المودعين بعدم اعتبار الشيك وسيلة ابراء واجبار المصرف على دفع الوديعة نقداً لم ينفذا. فواحد أوقفته محكمة الاستئناف في النبطية والآخر عطلته محكمة التمييز في بيروت.
وعليه يأسف صاغية الى “توقف القرارات عندما تصل إلى مراجع عليا في القضاء، وعدم انصاف المودعين ومعاملتهم على قاعدة المساواة”.
معركة طويلة
المعركة بين المودعين والمصارف ستستمر طويلاً، ولن يوقفها تعميم مصرف لبنان 148 الذي اتاح لنحو مليون و715 الف مودع يملكون أقل من 3 آلاف دولار سحبها على سعر 2600 ليرة. فتحرير 795 مليون دولار لا يعني سكوت بقية اصحاب الحسابات، الذين في حوزتهم نحو 148 ملياراً، عن حقهم.
هذا الواقع يدفع جدياً إلى ضرورة تخلي الدولة عن سياسة دفن رأسها في الرمال كالنعامة، والخروج لمرة واحدة ونهائية بسياسة اقتصادية مستدامة تقوم على حسن استثمار موارد الدولة ونزع صلاحيات الوزراء المنفعية عنها ووضعها بيد من يجيد ادارتها، والتوجه بخطة واضحة نحو صندوق النقد الدولي المستعد للمساعدة وتأمين تمويل يوفّر السيولة ويراقب حسن تطبيق الخطة.