فرحة الحكومة بالانتقال إلى مرحلة التفاوض من دولة إلى دولة في ملف بناء معامل الكهرباء، وتأكيدها بالموافقة على اقتراح وزير الطاقة بتوقيع مسودة مذكرة تفاهم بين الدولة اللبنانية والشركات الراغبة بالاستثمار بشكل مباشر، بسبب تغير موقف الدول الاوروبية من “حزب الله”، من أجل بناء معامل لإنتاج الطاقة، نغّصها احتمال انسحاب شركة “سيمنس”.
تمثّل”سيمنس” واحدة من الشركتين المهتمتين بتطوير معمل انتاج بطاقة تصل الى 1100 ميغاوط ومحطة تغويز داعمة، في غضون سنتين.
فالانسحاب الذي لم يترجم بعد بشكل رسمي، له بحسب أوساط مطلعة سببان: الاول سياسي يتعلق بتراجع “البنك الالماني للتنمية” الذي كان سيتكفل بتمويل 85 في المئة من قيمة المعمل بعد ادراج دولته مؤخراً “حزب الله”، الذي يشكل معبر اساسياً في التفاوض وخصوصاً في شأن معمل الزهراني، على لائحة المنظمات المحظورة على أراضيها. أما من الناحية الثانية فان تخلّف لبنان عن دفع ديونه السيادية واستمرار تغييب الاصلاحات الجوهرية، وأولها الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والتدهور الدراماتيكي في سعر الصرف… أثارت مخاوف الشركة من الانخراط في التمويل، ودفعها إلى وضع شروط دقيقة منها على سبيل المثال: وجوب حصولها على ضمانة سياديّة من الدولة، والسماح لها بحرية تحويل الأموال بالدولار الأميركي إلى الخارج، وربط العملة بسعر صرف الدولار الأميركي. وهو الامر الذي يرفع الكلفة على الدولة اللبنانية الملتزمة تامين 15 في المئة من مجموعة تكاليف، قد تتجاوز المئة مليون دولار.
“الصين” ليست حلاً
الخبر الذي يعرقل كل الجهود المبذولة لترميم قطاع الكهرباء المهترئ، ويفشل الركن الاساسي في خطة الحكومة المتمثل برفع التعرفة وتراجع التمويل تدريجياً، بالتوازي مع انشاء المعامل وتأمين الكهرباء 24/24 في غضون العام 2024، يجري التعامل معه بخفة تامة. فالحكومة تعتقد انها تضع يديها بمياه الصين الباردة، والتي ستتلقف بحسب “آمال” السلطة أو “مخططاتها التسويقية”، خبر انسحاب كل من “سيمنس” و”جنرال الكتريك” لتحل مكانهما في “جنة” الاستثمار اللبنانية. وهو ما يطرح بحسب خبير الطاقة وعضو “ملتقى التأثير المدني”، منير يحيى عشرات التساؤلات عن “إن كان التسويق لدخول الصين مؤخراً، وقبلها التفاوض مع الشركات العالمية، هو حقيقي أم للمماطلة وكسب الوقت”.
هذه التساؤلات تقودنا الى فرضيتين: الأولى، هي أن تسويق الصين هو فعل سياسي محض. والثانية استبعاد امكانية دخول أي شركة عالمية في استثمار مع الدولة، نظراً لانعدام القدرة على دفع بدل الاتعاب أو ثمن الخدمة المقدّمة بالدولار، واستحالة تحويل المقبوضات بالليرة إلى الدولار في ظل الصعوبات والفروقات الكبيرة في سعر الصرف. وعليه فان كل ما يجري ما هو إلا “ذر للرماد في العيون، واصابة الجميع بالعمى من أجل استمرار اعتماد الحل الموقت المتمثل في البواخر، على الحلول المستدامة والدائمة”، يقول يحيى.
استمرار الفساد!
الاستنتاج المنطقي بالرغبة الدفينة عند البعض بعدم اصلاح القطاع، واستمرار عمليات الهدر والفساد، تؤكده الطريقة التي يتم التعامل بها لانشاء المعامل والتي “تنحو باتجاه المفاوضات، بدلاً من اعتماد المناقصات التي من شانها فتح الابواب لعشرات الشركات المهتمة وتنويع العروض والقضاء على الصفقات والسمسرات في حال نفذت بطريقة شفافة ووفقا للأصول” يعلق يحيى.
انسحاب سيمنس وصعوبات ادخال الشركات الصينية لاعتبارات اقتصادية وجيوسياسية دفع السلطة الى طرح السؤال الأهم: من أين سنأتي بالتمويل لانشاء المعامل بطريقة تجنبنا الشروط الدولية والاصلاحات؟
فبعد “تجريب” الصناديق العربية، “سيدر” و”البنك الدولي” لم يبق في الميدان إلا “حديدان” وطني، يضطلع بعمليات تمويل المعامل، فمن تراه يكون؟ وهل ستكون الطريقة عبر استخدام وسائل الضغط على بعض الشركات التي لديها اشكالات وقضايا عالقة في موضوع الفيول؟
الوصول الى هذا السيناريو لن يكون قريباً، أقله بعد التأكد من موافقة صندوق النقد الدولي على تسديد أول دفعة أو أكثر من القروض المدعومة لمساعدة لبنان. اذ ان الدولة وماليتها العامة ستكونان الشريك الرئيسي وممولاً بنسبة تفوق بكثير الـ 15 في المئة التي كان متفقاً عليها مع “سيمنس” و”جنرال الكتريك”، وهو ما من شأنه فرملة مساعدات صندوق النقد الدولي والدخول بصدام مباشر مع الثورة الرافضة لكل أشكال استمرار النهج القديم والذي يكرس اليوم بما يعرف بـ “مذكرات التفاهم”. فهل هذه “المذكرات” مدرجة ضمن نظام الادارة اللبنانية أم هي بدعة جديدة تحل مكان المناقصات واستدراج العروض وتقديم دفاتر الشروط؟
ان كان الجواب نعم فالمطلوب اظهار مبرراتها وخلفيتها القانونية؟ اما ان كان لا فهي فضيحة جديدة تضاف الى سجل الفضائح والتجاوزات.