لن تعود حياة اللبنانيين إلى طبيعتها بعد انتهاء إجراءات التعبئة العامة، سيعودون إلى شوارع بمعالم مختلفة. فالأزمة الإقتصادية التي تجبرهم على تغيير نمط حياتهم، ستمنعهم من عيش حياة السّهر التي اعتادها قسم كبير منهم في حانات ومطاعم الجميزة والحمرا وبدارو والتي امتدت إلى ضبيّة ومناطق أخرى. وفيما لا تسمح إجراءات التعبئة العامة ملاحظة حجم الإقفالات في هذا القطاع، يؤكّد عاملون في المجال أن العديد من المحال أقفلت. بينما يعيش أصحاب المحال التي لم تقفل بعد حالاً من الضياع والقلق.
فمع الارتفاع الجنوني في أسعار الكحول يواجه القطاع، كما غيره، تحدياً وجودياً. ويُرجّح أن ينحسر ليصبح ترفاً في متناول الأغنياء وحدهم. أمّا الفئات التي اعتادت السهر بكلفة مقبولة في الحانات والمطاعم، فستجد نفسها مضطرة للسهر في المنزل حيث يتقاسم الأصدقاء سعر المشروبات الكحولية، والتي تضاعفت أسعارها حتى ثلاث مرات، فبات شراؤها ترفاً كبيراً.
وفي حين قد ينظر البعض إلى إقفال الحانات باعتباره أمراً بسيطاً مقارنة بالكارثة التي تحلّ بكلّ القطاعات، وبعيداً من الأثر الثقافي والنفسي الذي سينتج عن الأمر، يلفت محمّد بزي، أحد الشركاء في مطعم وحانة “باردارو” إلى أهميّة القطاع كمصدر دخل لفئة كبيرة من طلاب الجامعات الذين تناسبهم دوامات العمل فيه، والذين سيفقدون القدرة على تأمين مصاريفهم الجامعية في حال أقفلت المحال. “ويشغّل هذا القطاع عمالاً وموظفين من كل الفئات، فقيرة ومتوسطة وطلاباً، ما ينذر بكارثة إجتماعية أخرى”، وفق ما يقول بزي لـ”نداء الوطن”.
ويكشف بزي أنّ التجار الأساسيين يمتنعون عن تسليم البضائع. في حين تضاعفت الأسعار نحو ثلاث مرات لبعض الماركات. ما قد يؤدي الى ارتفاع سعر كأس الويسكي العادية والأرخص من 12 ألفاً الى 25 ألفاً، “نفسياً لا نستطيع بيع الكأس بهذا السعر. إحدى العبوات ارتفع سعرها من 55 إلى 145 دولاراً، ما يعني أن الكأس التي كانت تباع بـ 20 ألفاً ستباع بـ 40. لن أبيع بهذا السعر فرواتب الناس لم ترتفع”.
يدرك بزّي أن استمرارية القطاع ترتبط بقدرة الزبائن على الصرف، والتي تراجعت، فباتت أولوية هؤلاء تأمين المتطلبات الأساسية. وفي وقت يواجه فيه القطاع هذه الأزمة يعاني أصحاب المحال من ضغوط المؤجرين. وعلى الرغم من توقف عمل الحانات والمطاعم، يطالب أصحاب المحال بدفع بدل الإيجار بالدولار، أو بالليرة وفق سعر الصرف في السوق. في ظل هذه الضغوط، ومعاناة نقابتي أصحاب المؤسسات السياحية والمطاعم والفنادق من هاجس الإقفال، يشير بزي إلى أكثر من لقاء عقد في المجلس الإقتصادي الإجتماعي. “طالبنا بإعفاءات ضريبية ومن الإيجارات، والحصول على قروض ميسّرة من المصارف، لكنّنا لم نحصل على أي جواب واضح من أيّ وزير”.
وكما شكت سابقاً قطاعات أخرى من عدم التزام المصارف بتعميم مصرف لبنان بمنح قروض ميسرة، يشكو بزّي من الامر نفسه. بل ويكشف كلام بزي محاولة المصارف إستغلال تعثر القطاعات، “اقترح المصرف أن يمنحنا قرضاً بالليرة اللبنانية مشترطاً علينا إرجاعه وفق قيمة الدولار”.
القطاع سيتسمرّ باعتماد نموذج صحيح
من جهته يبدو فاروق يعقوب، أحد العاملين في القطاع، أكثر تفاؤلاً من بزي، على الرغم من إدراكه أن حانات ومطاعم كثيرة ستقفل. إذ يرى يعقوب أن القطاع سيستمر بعد أن يغيّر عقليته والنموذج الذي كان يتّبعه، نظراً لمرونة لبنان. “النموذج المعتمد في هذا القطاع منذ العام 2000 انتهى، كان صاحب المشروع يفكر بالربح السّريع، بعض المحال حققت أرباحاً خيالية. اليوم انتهى هذا النموذج وسيستبدل بالنموذج الصحيح في هذا العمل”. ويرى أنّه سيستمرّ وجود محال رخيصة تستهدف كل الناس، لكنّ هؤلاء سيستهلكون العرق والنبيذ بدلاً من المشروبات الأخرى. يعتبر يعقوب أن الشرط الأساسي لاستمرارية الحانات هو خفض كلفة الإيجارات. كذلك تخفيض المحال هامش ربحها المرتفع. وينصح بأن لا تضاعف الحانات أسعارها، بل أن توزع فارق السعر على عدد الكؤوس. “إذا كانت القنينة تساوي 14 كأساً، وارتفع سعرها 40 ألفاً فعلى البائع توزيع الكلفة على عدد الكؤوس لا مضاعفة سعرها. بالتالي زيادة حوالى ثلاثة آلاف ليرة على سعر الكأس”. ويؤكد يعقوب أن هذا القطاع قد اعتمد دوماً على الزبائن اللبنانيين ولم يعتمد على السيّاح الأجانب.
مريم سيف الدين – نداء الوطن