يتوجه لبنان الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بخلافات في التوجهات واختلافات في الأرقام بين مختلف الاطراف المعنية، على الطريقة التي توجه بها السياسيون اللبنانيون بأطيافهم وخلافاتهم الى مؤتمر الطائف.
وأحد رجال القانون من الذين شاركوا في مفاوضات بلدان عربية مع الصندوق، يبدي خشيته من تأثيرات هذا الوضع على صورة لبنان لدى الصندوق.
فهناك أولا: الفوارق بين الخطة الحكومية، والورقة المصرفية التي يعدها الآن مستشارو جمعية المصارف والمتضمنة وجهة نظر الجمعية في ما تسميه «مخاطر سياسة الحكومة على الأوضاع المصرفية والنقدية والاقتصادية».
وهناك ثانيا: وجة نظر حاكم مصرف لبنان في تفسير الأرقام بين عجز تفترضه مؤسسة LAZARD الاستشارية الحكومية، وفائض يؤكده الحاكم بين خسائر حاضرة ترحل لأعوام عامرة، وبين نظرة «دوبيا» حسابية، ونظرة ديناميكية بين مفهومي السيولة والملاءة .
وهناك ثالثا: ان المسودة الحكومية وباعتراف الحكومة نفسها، ليست الخطة النهائية. بل انها بصيغتها الحاضرة لا تحظى حتى بقبول كل أعضاء الحكومة لا سيما ممن لديهم آراء تعكس مصالح الأطراف السياسية التي وراء تعيينهم، ما يجعل من الحكومة وتوجهاتها الاصلاحية شبيهة بـ»بيت بمنازل كثيرة «!
وهكذا تتوجه الحكومة في ظل هذه الخلافات والاختلافات الى مفاوضات شاقة مع صندوق دولي هو وحده صاحب القرار في المنح أو المنع، وعملا بالمثل الفرنسي QUI DONNE ORDONNE وهو المسؤول عن أموال الدول المقرضة، فلا يكتفي بالاستماع الى المسؤولين الرسميين (ومستشاريهم الذين يتصرفون مع أوليائهم على قاعدة «الأسلوب الأنيس في مخاطبة الرئيس»!) وانما أيضا الى آراء مختلف الأطراف الاقتصادية والاجتماعية من صناعية وزراعية ونقابية، اضافة ما لدى الصندوق أصلا من احصاءات دقيقة ومعلومات خفية عن الدولة طالبة القرض وسجلها في مدى الوفاء بالاستحقاقات المالية والوعود الاصلاحية.
والحكومة اللبنانية في هذا المجال، سجلت حتى الآن أهدافا عدة «مميزة» لكن في شباكها ولغير صالحها!!: من الامتناع عن تسديد «اليوروبوندز» واعتماد خمسة الى ستة معدلات في سعر الصرف، وتأجيل التعيينات المصرفية والقضائية والهاتفية والكهربائية، وأخيرا الاتجاه الى تلزيم معامل الكهرباء بالتراضي!!، وبما يوحي للصندوق بانه حتى على باب المفاوضات، فان «حليمة لا تتخلى عن عادتها القديمة» بالانقضاض على كل الوعود الاصلاحية التي تضمنتها الخطط الحالية والسابقة بمختلف الوعود التي بذلت لعديد المؤتمرات من «باريس الى سيدر» والتي لم تنفذ وما زالت على الرف وستبقى مجرد حبر على ورق! باستثناء الوفاء بوعد واحد هو… زيادة الضرائب!
وكل هذه «الانقلابات» على الوعود مع استمرار فوضى الادارة وسوء الأداء والنهب والسلب، واختلاف المصالح وتشرذم المواقف وتعدد المسودات والخطط والتوجهات، تترك صورتها الباهتة بل البائسة لدى مؤسسة دولية تعرف من الحقائق عن بلد أكثر مما يعرف عنه حكامه وأهله، وتتأثر بها وتتحكم بقراراتها في الاقراض حجماً ونوعاً وأجلاً، أو رفضاً وامتناعاً، بمثل ما يتأثر المقرض بالطريقة التي يدير فيها المقترض أعماله، بحيث تكون سليمة ومنظمة وآمنة، تطمئن المقرض الى مصير قروضه وأمواله.