المفاوضات التي استؤنفت مع صندوق النقد الدولي، ومعها المداولات حول تفعيل مقررات مؤتمر «سيدر»، أعطت إشارات عدة منها:
أولا: ان أي قروضا أو مساعدات أميركية أو أوروبية أو عربية ستبقى رهينة تقييم صندوق النقد تحديداً لمدى جديّة وأهلية النظام اللبناني والطبقة السياسية اللبنانية في التعاطي مع الشروط المطلوبة، على الأقل بالحد الأدنى الذي تعاطت به مع الصندوق دول عربية مثل مصر والأردن والمغرب.
وثانيا: انه في مختلف الحالات لا قروض دون اصلاحات.
وثالثا: ان طريقة الدفع إذا أقرّت القروض، ستكون على مراحل متوسطة وبعيدة المدى وبالتجزئة الدورية وأحيانا الشهرية.
ورابعا: أن أي دفعة لن تتم قبل التأكد من انجاز المرحلة الاصلاحية المطلوبة في كل قطاع على حدة بدءا من الكهرباء «القطاع الأم» الى باقي القطاعات وفي ظل رقابة دولية.
وخامسا: ان درجة الرقابة المقبلة ستكون وفي كل المراحل متشدّدة جدا لا تقارن بأي رقابة سهلة ليّنة أو متسامحة نعِمَ بها لبنان في القروض والمساعدات والمنح السابقة في مؤتمرات باريس الثلاثة أو سواها في الفترات التي كانت خلالها سمعة لبنان أكثر بياضا وفي ظل حكومات موثوقة دوليا وعربيا وفي وضع مالي أكثر ملاءة وأقلّ مديونية.
وسادسا: أن المعلومات والمؤشرات حتى الآن تدلّ الى حصيلة مالية من الصندوق لا تتعدّى ٣ الى ٥ مليارات دولار كحد أقصى، ستكون نتيجة ضرب حصة لبنان الحالية في الصندوق ٨61 مليار دولار بـ ٣ أو ٤ أو ٥ أضعاف أي حوالي ٣ الى ٤ مليارات دولار هي أقل من نصف الـ ١٠ مليارات دولار الذي خططت لحكومة للحصول عليها من الصندوق الدولي.
سابعا: ان حصيلة مؤتمر «سيدر» في ظل الضغوطات الاقتصادية على دول المؤتمر، قد تنخفض بسبب جائحة الكورونا الى النصف أي الى حوالي ٥ أو ٦ مليارات دولار من أصل الـ ١١ مليار دولار، ستدفع أيضا على مراحل وعند تنفيذ كل مشروع على حدة وبرقابة مباشرة من شركات الدول المعنية.
ثامنا: مجموع الحصيلتين من «سيدر» ومن الصندوق ستكون حوالي ٨ أو ٩ مليارات دولار لا تزيد عن ثلث مبلغ الـ ٢٨ مليار دولار الذي وضعت الحكومة على أساسه خطتها الاصلاحية «الانقاذية»! علما ان هذه الحصيلة النهائية – إذا أقرّت – ستكون على مدى ٤ أو ٥ سنوات لا تزيد في حدها الأقصى ٢ مليار دولار سنويا هي أقل من نصف خدمة الدين العام!!
تاسعا: من الآن حتى وصول الامدادات الدولية، تبقى الأسئلة الأساسية: طوال هذه المسيرة المالية البطيئة، من سيلجم الدولار المدمن على الارتفاع فوق أنقاض الليرة وانهيارات اقتصادية ومعيشية؟ وكيف يمكن للدولة بغير المزيد من الضرائب والمكوس والرسوم، الحصول على موارد نضبت وجفّت تحت ضغوطات الكساد والركود؟
عاشرا: الأهم، كيف يمكن في ظل هكذا انهيارات للدولة المتعبة والشعب المرهق عند حدود الفقر وعلى حد الجوع، تحمّل المزيد من الشروط التعجيزية الدولية؟ والتي إذا لم يلتزم بها لبنان، فعلى حصيلة صناديق ومؤتمرات الدول السلام!