يشكل كلٌ من إنشاء صندوق حكومي لتخفيف الديون GDDF، وعدم تخلف الدولة عن سداد الديون الداخلية، بعد إعادة جدولتها وليس هيكلتها، ركيزتي “مساهمة جمعيّة مصارف لبنان في تعافي لبنان الاقتصادي”. وهما سيقودان من وجهة نظرها إلى تحقيق نمو في غضون العام 2024 وبدء مرحلة النهوض الاقتصادي. فهل أصابت المصارف في مقاربتها؟ وما الذي يميز طرحها عن طرح الحكومة؟
تبلغ ديون المصارف المحمولة على الدولة 25 مليار دولار، على شكل سندات خزينة و”يوروبوندز”، مقسمة كالتالي: 11 ملياراً بالدولار الاميركي، وما يعادل 14 مليار دولار بالليرة اللبنانية. وبدلاً من التخلف عن سدادها وقيادة البلد إلى مفاقمة الازمات، تقترح “الجمعية” الاستمرار بدفعها بعد استبدالها بسندات ذات فوائد متدنية.
فلسفة “الصندوق” المصرفي
من الجهة الأخرى يحمل مصرف لبنان ديناً على الدولة بقيمة 55 مليار دولار. يكون حلها من خلال إصدار “صندوق تخفيض الدين” المزمع انشاؤه، ديناً عاماً موازياً لحجمه بقيمة 40 مليار دولار. وبهذه الطريقة تكون الدولة خفضت الدين العام بقيمة 40 مليار دولار المنقولة إلى الصندوق، ويحصل مصرف لبنان المُصدر لسندات الدين على الفوائد الناتجة من عمل المؤسسات والقطاعات الموضوعة بالصندوق، وابرزها الاتصالات والواجهة البحرية وعقارات الدولة.. من أجل تسكير دينه.
أين أموال المودعين؟
“بالاضافة الى ان المؤسسات العامة التي أخرجوها من الباب ستعود وتدخل من الشباك، فان خطة المصارف لم تجاوب في صفحاتها الـ 40 عن النقطة الاهم وهي: كيفية اعادة المصارف لمبلغ الـ 110 مليارات دولار الموضوعة في مصرف لبنان”، يسأل رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني. “فايرادات الصندوق لن تتجاوز سنوياً الـ 250 مليون دولار في احسن الاحوال. وعليه اذا لم يسدد مصرف لبنان الديون للمصارف فستعجز الاخيرة عن الدفع للمودعين حقوقهم، ولو بعد فترة طويلة من الزمن”.
هذه المقاربة التي تختلف عن مفاخرة جمعية المصارف بعدم تحميل المودعين أي خسائر، تخفي أمراً واقعاً حكماً، بتحمل المودعين جزءاً من الخسائر غير مقدّر بعد. خصوصاً ان “الاصلاحات التي طرحتها خطة “الجمعية” مشابهة لاقتراحات الحكومة، وخصوصاً لجهة انشاء الصندوق السيادي، واللتين بكلتا الحالتين لا تؤديان الى نمو وازدهار اقتصادي كما يتوقعون”، يعتبر ماردين. “فأساس المشكلة يتمثل بقطاع عام متضخم ومهترئ ينفق اكثر بكثير مما ينتج. وهذه المعضلة لم يجرِ التطرق اليها. حتى ان المصارف سلمت بان تكون الدولة مالكة للصندوق المنوي انشاؤه بنسبة 100 في المئة، بدلاً من دخول القطاع الخاص شريكاً اساسياً، يوفر على الدولة المبالغ المدفوعة والمهدورة في أغلب الاوقات”.
إستمرار سلطة الدولة على المرافق العامة من خلال “الصناديق” يعني دوام التوظيف الانتخابي العشوائي وبقاء المحسوبيات والتنفيعات الانتخابية وديمومة الصفقات. ولنا في التجربة الاخيرة لمعالجة موضوع الكهرباء خير مثال. إذ في الوقت الذي اصبح فيه الناتج المحلي بحدود 26 مليار دولار، تلزّم الدولة خطة الكهرباء بقيمة 5 مليارات دولار أو ما يشكل 20 في المئة من GDP بالتراضي ومن دون مناقصات، وبتجاوز فاضح لقوانين المحاسبة العمومية.
تربع الدولة على عرش القطاع العام لن ينتج عنه أي اصلاح. “أما الحل فلا يكون بالضرورة بالخصخصة الكاملة بل بوقف الاحتكارات في الكهرباء والطيران والاتصالات والمياه، وغيرها الكثير من المرافق العامة، وافساح المجال امام القطاع الخاص للدخول والمنافسة. وهو ما يحسن الخدمة والاسعار، ويقلل النفقات العمومية”، يقول مارديني. “فلتبقَ EDL بيد الدولة ولتوضع في الصندوق أو خارجه، لكن فليسمحوا بدخول شركات كهرباء أخرى تعمل بحرية. كذلك الامر بالنسبة الى طيران الشرق الاوسط والاتصالات وغيرها الكثير من القطاعات”.
إختلاف الارقام
في الوقت الذي أقل ما يتطلب فيه التفاوض مع صندوق النقد الدولي من رؤية موحدة وارقام واضحة، ظهرت في خطة جمعية المصارف فروقات كبيرة مع ارقام الحكومة. حيث بلغت خسائر الدولة برأي المصارف 51 في المئة، بينما سجلتها الحكومة صفراً في خطتها. أما خسائر مصرف لبنان والمصارف التجارية فقد اتت بحسب المصارف 24 و14 في المئة على التوالي، بينما سجلتها الحكومة 32 و34 في المئة. وفي الوقت الذي تحمّل فيه الحكومة المودعين نسبة 28 في المئة من الخسائر، لم تحمل المصارف المودعين أي خسائر.
بالاضافة الى الدراية المفقودة، للدخول في برنامج مع “صندوق النقد الدولي”، والتفكير من خارج الصندوق التقليدي الذي أوصلنا الى الحالة الراهنة، والمتمثلة بقطاع عام كهل ضخم ومهترئ لا يقدم الا المنافع للأحزاب والطوائف، فان توحيد الارقام بين الجهات المفاوضة… يبقى أقل الايمان.