عمد عدد من المساهمين الأجانب في المصارف اللبنانية إلى شطب قيمة مساهماتهم انسجاماً مع المعيار المحاسبي الدولي IFRS9 الذي يفرض تكوين مؤونات مقابل الخسائر المتوقعة والتي ستأكل كامل قيمة هذه المساهمات بحسب التقديرات
ورد في التقرير الأخير لمجموعة «هيرمس» المصرية، عن نتائج الفصل الأول من السنة الجارية الآتي: «بما أن الوضع الاقتصادي في لبنان يستمر بالتدهور في الفصل الأول من السنة الجارية، مع احتمال تخلّف إضافي عن سداد الدين، فضلاً عن عملة منفوخة القيمة، وتقلص الاقتصاد بأرقام ثنائية قبل الأزمة الصحية العامة التي تتطلب تقييماً إضافياً للقيمة العادلة لما تبقى من حصّة المجموعة في بنك الاعتماد اللبناني. لذا، فإن الإدارة اتخذت قراراً بأن تشطب 100% من حصّتها الباقية في هذا الاستثمار خلال الربع الأول».
وأوضحت المجموعة أن المعيار المحاسبي الدولي IFRS9 يفرض عليها تخصيص مؤونات مقابل الخسائر المتوقعة، ما فرض عليها شطب قيمة هذه المساهمة من ميزانيتها عن الفصل الأول من السنة. وهذا الشطب يعني أن الخسارة المتوقعة لهذه المساهمة تساوي كامل قيمة المساهمة، إلا أن الشركة المصرية لم تعتبر الأمر نهائياً، بل أشارت إلى أن الشطب مرتبط بميزانية الفصل الأول من السنة وأنه يمكن إعادة النظر فيه من خلال التقييم العادل لقيمة هذه الحصّة ربطاً بالتطورات التي ستطرأ في الفترة المقبلة، علماً بأن هيرمس قرّرت في نهاية 2019 خفض قيمة مساهمتها في المصرف اللبناني بنسبة 36%.
تحمل اليوم مجموعة «هيرمس» نحو 8,81% من أسهم «بنك الاعتماد اللبناني» بعدما كانت تبلغ 63٫7% من الأسهم اشترتها في نهاية 2010 بقيمة 542 مليون دولار. وفي منتصف 2016، عمدت المجموعة إلى تصفية 40% من هذه المساهمة وباعتها لنحو 32 مستثمراً بقيمة إجمالية تبلغ 310 ملايين دولار.
حالة الـ SGBL
في الواقع، ليست مجموعة «هيرمس» وحدها التي لجأت إلى مثل هذه الخطوة، بل هناك عدد من المساهمين الأجانب في المصارف اللبنانية عمدوا أيضاً إلى شطب قيمة مساهماتهم أو خفضها، وتحديداً الشركات الأجنبية المدرجة في البورصات العالمية المفروض عليها أن تطبق معايير المحاسبة الدولية، وأبرزها المعيار IFRS9. فهذا المعيار يفرض تكوين مؤونات مقابل الخسائر المتوقعة في محفظة توظيفات المؤسسات ويحدّد نسباً معينة وآليات لعملية تكوين المؤونات؛ من أبرزها تخصيص مؤونات بقيمة 45% على التوظيفات المتوقع نقلها إلى المرحلة الثانية من الخسائر وبنسبة 100% من التوظيفات المتوقع نقلها إلى المرحلة الثالثة من الخسائر (حينها تصبح هالكة).
وكان «سوسيتيه جنرال فرنسا» قد لجأ إلى خطوة مماثلة في مطلع السنة الجارية، وشطب من ميزانيته كامل قيمة استثماراته في «سوسيتيه جنرال لبنان» والبالغة 16٫79%. يومها فُسّرت الخطوة على أنها انسحاب فرنسي من المصرف، لكن الصورة اتضحت أكثر مع قيام عدد من المساهمات الأجنبية بشطب قيمة مساهماتها في المصارف اللبنانية بشكل يتناسب مع المعيار الدولي IFRS9. فالواضح، أن عملية شطب المساهمة لا تعني بالضرورة انسحاباً من الاستثمار، بل هي تفرض مساراً محدداً للتعامل مع الخسائر المتوقعة؛ من أبرزها زيادة قيمة الرساميل للحفاظ على قيمة هذه المساهمة، علماً بأن مصرف لبنان فرض على المصارف زيادة قيمة رساميلها بنسبة 20% عبر مقدمات نقدية بالدولار تبلغ قيمتها الإجمالية 4 مليارات دولار وتنجز على مرحلتين؛ الأولى انتهت بنهاية 2019، والثانية تنتهي في 30 حزيران 2020. بمعنى آخر، فإن الفرصة لا تزال متاحة أمام مساهمة سوسيتيه جنرال فرنسا، وغيرها من المساهمات الأجنبية في المصارف اللبنانية، للنهوض مجدداً، وأنه يقع على عاتق المساهمين ضخّ الحياة في حصصهم أو اتخاذ قرار نهائي بالتخلّي عنها.
«سوسيتيه جنرال فرنسا» يدرس زيادة رأس المال في SGBL
وفي حالة سوسيتيه جنرال بنك، فقد تبيّن أيضاً أن شطب هذه المساهمة ليس مرتبطاً بضغوط من شركاء آخرين، بل إن هناك فرصة حقيقية أن يوافق الشريك الفرنسي على زيادة رأس المال، لكنه لا يزال يدرس النسبة التي يسعى للحصول عليها في هذا الاستثمار اللبناني. ومن أبرز المسائل التي يتم درسها، توظيفات المصرف المنتجة للأرباح مثل امتلاكه 10% من أسهم شركة سوليدير ومشاركته في مجلس إدارتها. «سوسيتيه جنرال بنك» اشترى حصّته في سوليدير بقيمة وسطية تبلغ 8٫2 دولارات للسهم الواحد، بينما سعر السهم اليوم في بورصة بيروت يفوق 10 دولارات.
مساهمات بالجملة
الفرق بين الاعتماد اللبناني وسوسيتيه جنرال بنك، أن الأول أنجز الجزء الأول من زيادة رأس المال، بينما الثاني لا يزال يعمل على إنجازها، علماً بأن هناك الكثير من المصارف التي أجّلت إنجاز المرحلة الأولى من زيادة رأس المال، وخصوصاً المساهمات الأجنبية فيها، ربطاً بالتوقعات حول آليات شطب الخسائر في النظام المالي التي ستفرضها الحكومة ونتائجها على كل مصرف، وسط التوقعات بأن هناك مصارف ستبقى منفردة أو بعد دمجها بمصارف أخرى، وهناك مصارف ستزول نهائياً.
واللافت أن غالبية المصارف في لبنان لديها نسبة واسعة من المساهمات الأجنبية. فعلى سبيل المثال، إن «بنك أوف نيويورك ميلون» يساهم في رؤوس أموال ثلاثة مصارف لبنانية على الأقل (جزء من هذه الأسهم يحملها المصرف الأميركي لحساب بعض زبائنه). بحسب جمعية المصارف، لدى هذا المصرف الأميركي مساهمة في «بلوم بنك» بنسبة 34٫37%، وفي «بنك عوده» 30%، وفي «بيبلوس بنك» 11٫11%. وهناك الكثير من المساهمات الأجنبية الأخرى، مثل «المؤسسة الألمانية للاستثمار والتطوير» التي تحمل 5% من أسهم «فرنسبنك»، ومؤسسة «أنترناشيونال سنتشوري كوربوريشن» السويسرية التي تحمل 23٫18% من أسهم «بنك بيروت». ويضاف إلى ذلك، مساهمات فرنسية محدودة، ومساهمات عربية سعودية وكويتية وإماراتية وسورية وعراقية في العديد من المصارف.