إستعادت العلاقة بين الرئاسة الثالثة وحاكمية مصرف لبنان بعضاً من عافيتها توّجها اللقاء الثنائي الذي عقد في السراي الحكومي بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم المركزي رياض سلامة، وذلك بعد فترة من الجفاء وصلت إلى حدّ انقطاع التواصل. كان مطلب رئيس الحكومة واضحاً: على مصرف لبنان التدخل في سوق القطع والعمل على خفض سعر الدولار، من خلال مدّ السوق بالدولارات المساعدة على تلبية الطلب والعمل على استعادة شيء من الاستقرار النقدي.
كانت الحاكمية تختبئ دوماً خلف مبرر عدم القدرة على التدخل، نظراً لتراجع امكانات مصرف لبنان وتوفيرها لتلبية حاجات الأمن الغذائي والمواد الأساسية التي يدعمها “المركزي” من نفط وقمح ودواء. فيما ردّ رئيس الحكومة كان على الدوام بأن الحكومة وفّرت على مصرف لبنان هامشاً مالياً لا بأس به، نتيجة تثبيت سعر صفيحة البنزين مقارنة بتدهور أسعار برميل النفط عالمياً، الأمر الذي يتيح له التدخل بشكل ملحوظ لوقف الارتفاع الجنوني في سعر الدولار.
جانب آخر من الهواجس قدمه مصرف لبنان كي يكون تدخله دقيقاً وتَمثل بالخشية من هروب الدولارات التي سيضخها إلى الخارج، سواء لتلبية حاجات العمالة الأجنبية أو التهريب. ولذا طالب بالتقنين في دراسة أي آلية للتدخل كي لا تكون بمثابة اطلاق نار على الرجل.
ولهذا تقول مصادر متابعة إنّ سلامة أبدى استعداده للتدخل ولكن بعد وضع آلية محكمة تحول دون تسرب الدولارات الى الخارج، في حال ضخّها في السوق اللبناني والحرص على بقائها محلياً، شرط عدم استخدام هذه السيولة في المضاربات المالية التي ساهمت في “طيران” سعر الدولار. ولذا كانت فكرة انشاء المنصة المالية.
ولكن بالنتيجة، هي محاولات لترقيع الوضع المالي، من خلال صياغة تفاهم مع سلامة اشتغل على خطه رئيس جمعية المصارف مع مستشار رئيس الحكومة خضر طالب، لوضع سلّة اجراءات تساعد على تقطيع المرحلة بأقل الأضرار الممكنة. وها هو حاكم مصرف لبنان يصدر قراراً أشار فيه الى ان المصرف سيقوم بتأمين العملات الاجنبية النقدية، تلبية لحاجات مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الاساسية والمواد الاولية التي تدخل في الصناعات الغذائية، المحددة في لائحة تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة.
وهنا يتردد أنّ سعر صرف الدولار لتأمين هذه الحاجات قد يكون وفق سعر الصرف الذي ستحدده المنصة الالكترونية أي بين 3000 و3200، على أن يكون تدخل مصرف لبنان في سعر الصرف كافياً كي لا يكون الفارق بين تسعيرة المنصة وسعر الدولار في السوق السوداء كبيراً، وذلك بخلاف الفارق الذي يغطيه مصرف لبنان للمواد الأساسية، أي النفط والقمح والدواء.
في هذه الأثناء، يستمر العمل بين مجلس النواب، ممثلاً بلجنة المال والموازنة والجهات المصرفية، وتحديداً مصرف لبنان من أجل ردم الهوة بين الفريقين في ما خصّ الأرقام والخطط العلاجية. وفق المواكبين لهذا الملف، فإنّ الجهود التي تبذلها اللجنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان توشك على الاتفاق على صيغة موحدة للأرقام، سواء لجهة تحديد حجم الخسائر أو لجهة المقاربة لاحتساب الخسائر، لأنّ الأرقام ليست وحدها وجهة نظر غير موحدة بين الفريقين، وإنما طريقة احتساب الخسائر مختلفة أيضاً.
بناء عليه، دأب سلامة على المشاركة في الاجتماعات التفاوضية مع صندوق النقد الدولي الذي سجّل بالأمس أولى الإشارات الايجابية. خلال اللقاءات، لا يزال رياض سلامة صاحب الـpoker face. لا هو سلبي ولا ايجابي، يحرص على تقديم أرقامه، على أساس أنها بناء على وجهة نظر مصرف لبنان وليس من باب مغالطة أرقام الحكومة ومناقضتها. التباين لا يزال قائماً ولكن بحدية أقل. وقد عقد الوفد المفاوض اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزني أمس اجتماعه السادس مع صندوق النقد الدولي، بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على رأس فريق من البنك المركزي. يندرج الاجتماع وفق البيان الرسمي المتعلق بقانون الـCapital Control ضمن سلسلة مناقشات مستمرة عن بعد وستستكمل نهار الأربعاء المقبل.