مسيرة جديدة للدولار، من محطة الصرافين في السوق البيضاء والسوداء، الى المحطة الإلكترونية بإشراف مصرف لبنان في منظومة نقدية جديدة من ضمن مهامها، تخفيف الضغط عن المواد الاستيرادية المعيشية والضرورية بسعر صرف مخفض من خلال التدخّل في السوق بملايين الدولارات يومياً من احتياطيات مصرف لبنان بحوالى مليار دولار، تُضاف إليها ملايين الدولارات التي تُرد إلى لبنان من الخارج إلى مؤسّسات التحويل المالي مثل الـOMT وسواها، التي تصرفها هذه المؤسّسات لأصحابها بالليرة اللبنانية، وترسل الدولارات الى مصرف لبنان لاستخدامها في ضبط سعر الصرف عبر المنصة الإلكترونية الجديدة، التي تضم مصرف لبنان والمصارف وشركات الصيرفة الكبرى.
وأمام هذه الصيغة النقدية الواعدة التي تسحب الدولار من تحت أصابع الصرافين المرخصين وغير المرخصين، إلى قبضة مصرف لبنان، تبقى أسئلة منها:
أولاً: إلى متى يمكن بهذه الصيغة وبهذا الكم المحدد من الدولارات، التحكّم بسوق الصرف الذي يحتاج عادة الى أكثر من نصف مليار دولار شهرياً، تشكل جزءاً منها طلبات استيراد المواد الضرورية المعيشية وغير المعيشية.
ثانياً: كيف يمكن تلبية الفارق بين ما تحتاجه السوق، وما يتوافر لدى المنصة الإلكترونية من الدولارات التي ترد من الخارج الى مؤسّسات التحويل المالي والدولارات التي يمكن لمصرف لبنان الاستمرار بضخها من احتياطياته بالعملات الأجنبية؟ لاسيما مع توقف حركة الودائع الجديدة وتراجع حجم التحويلات الاغترابية.
ثالثا: إنّ الطلب على الدولار لا يحصل فقط من الحاجات الاستيرادية وإنّما بعوامل إضافية في طليعتها عنصر الثقة بالأوضاع السياسية والأمنية والأزمات الاقتصادية والمصرفية والمالية.
رابعا: وما يزيد في الطلب أنّ هذه الأزمات المتصاعدة تدفع بالعديد من اللبنانيين الى شراء كميات كبيرة من الدولارات، لاستخدامها في السفر والإقامة أو الاستثمار خارج لبنان، بما يزيد في صعوبات وقف ارتفاع الدولار عند الحدود التي يسعى اليها مصرف لبنان، فلا يبقى عندها الا الحلول المتناقضة مع طبيعة السوق الحر عبر أدوات مؤقتة مثل ضخ كميات محددة أو محدودة من الدولارات، أو عبر القمع والإقفال في إجراءات أمنية أو قضائية.
وفي الحالتين يعود السعر بعدها الى قاعدة العرض والطلب وتحت رحمة سوق سوداء لا يمكن وقف جموحها إلا بالحل الاقتصادي الطبيعي في المزيد من النمو والانتاج.