خوف موظفي المصارف من عمليات صرف بالجملة قد تطال أكثر من نصفهم، يقابله إطمئنان نقاباتهم لامتلاكها السلاح الأقوى في حسم معركة البقاء لمصلحتهم. فالموظفون الذين يقدر عددهم بـ 26 ألفاً لن يكونوا كبش الفداء. وإذا كان البقاء للأقوى هو صيرورة تاريخية، فإن عمال المصارف لن يتراجعوا عن حقهم في استعمال كل الاسلحة لتعزيز صمودهم، ولو اضطرهم الامر لتجاوز قوانين العمل البالية واستعمال تلك المحظورة محلياً.
المأزق الذي حُشرت فيه المصارف في عنق زجاجة الانهيار الاقتصادي، فرض عليها تصغير حجمها وعددها للمرور من الفتحة الضيقة والخروج إلى بر الأمان. الأمر الذي ترك آلاف الموظفين في أكثر من 1050 فرعاً منتشرة على كل الاراضي اللبنانية في حيرة من أمرهم وجهل تام لمصيرهم. حتى أن بعضهم ينتظر كل يوم بيومه استدعاءه إلى الادارة وتبليغة قرار الصرف. أحد الموظفين الذي لم يفصح عن اسمه قال لـ”نداء الوطن”، إن مستقبلهم في المصرف سيصبح كبرامج تلفزيون الواقع، بحيث تترشح كل يوم مجموعة من الاشخاص للصرف، ويدفع البقية إلى التساؤل: من هو الـ “Nominé” اليوم؟
بانتظار الدمج
الخوف المبرر عند شريحة واسعة من الموظفين والموظفات يقابله فراغ الكثير من فروع المصارف من الموظفين، وتحديداً تلك المنتشرة في الاحياء أو المناطق غير المكتظة بالمؤسسات. فالداخل إلى أحد هذه الفروع يلحظ بسهولة خلو الكثير من المكاتب من موظفيها. وعند السؤال عنهم يأتي الجواب سريعاً بان “المصرف خفض تواجد الموظفين بسبب كورونا، واحتراماً منه لمبدأ التباعد الاجتماعي”.
جواب لا يلغي السؤال المفصلي هل سيستمر الوضع على هذه الحال بعد انتفاء مبررات الجائحة العالمية؟
الاجابة المرجحة هي نعم. “فما يؤخر لغاية اللحظة عمليات الصرف الجماعية من المصارف هو انتظار الجميع بدء مرحلة تطبيق عمليات الدمج والاستحواذ. خصوصاً ان المصارف الدامجة تستطيع المحافظة على عمالها وفرض شروطها على حساب موظفي المصارف المندمجة”، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. فبحسب المادة الرابعة من قانون دمج المصارف فانه يجوز خلال مهلة ستة أشهر تلي القرار النهائي للمجلس المركزي لمصرف لبنان، إنهاء عقود عمل عدد من موظفي المصرف المندمج شرط التقيد بما يلي:
– يُتخذ انهاء بعض عقود العمل مرة واحدة وفي وقت واحد ويذكر فيه صراحة انه اتخذ بمناسبة عملية الاندماج.
– يستفيد الموظفون الذين تقرر انهاء عقود عملهم من جميع الحقوق والمنافع التي نصت عليها القوانين والانظمة المرعية الاجراء. ومن الحقوق والمنافع التي نصت عليها عقود العمل الجماعية الموقعة بين جمعية مصارف لبنان وبين اتحاد نقابات مستخدمي المصارف في لبنان.
– يستفيد كل من هؤلاء الموظفين بالاضافة الى هذه الحقوق والمنافع، بصورة استثنائية من تعويض اضافي يعادل ما يستحقه كتعويض نهاية خدمة، شرط ألا يقل هذا التعويض عن راتب ستة أشهر ولا يزيد عن مجموع ما يتقاضاه من رواتب خلال السنوات الثلاث الاخيرة.
ينحصر حق الموظفين المصروفين بالتعويضات المنصوص عليها في هذه المادة وتعفى هذه التعويِضات الاضافية من اية ضريبة على الدخل.
بالاضافة إلى عمليات الصرف من المصارف نتيجة الدمج، فان المادة 50 من قانون العمل تجيز لصاحب العمل “إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة، إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية”، وهو ما ينطبق أيضاً على المصارف.
سلاح النقابة
نقيب موظفي المصارف أسد خوري لا ينكر هذا الواقع السوداوي، إلا انه في المقابل يرفض الخضوع له والاستسلام لمندرجاته التعسفية، سواء كانت الحجج قانونية أم ظروفاً قاهرة. فـ”الموظفون الذين حملوا القطاع المصرفي لمدة 30 عاماً، وكانوا سبباً مباشراً في نجاحه واعلائه وتوسعه داخلياً وخارجياً بنسبة 300 في المئة، لن نرضى برميهم في الشارع وصرفهم في غضون أشهر قليلة وبتعويضات هزيلة، لا تتوافق مع أبسط حقوق العمال التي كفلتها الدساتير والقوانين، ولا مع ظروف البلد وانهيار القدرة الشرائية”. وبرأي خوري فان “ما حصل أخيراً مع كل من “BLC Bank” و “Creditbank” اللذين صرفا 40 و60 موظفاً بشكل جماعي على التوالي لن يتكرر اليوم، فالظروف تغيرت كثيراً. والبروتوكولات التي كنا نقبل بها قبل فترة، لن نرضى بأقل من مضاعفتها. فعمليات الصرف لن تمر بعد اليوم بسلاسة وسلام. انها قضية حياة أو موت”. أما المادة 50 التي تنص على “اعطاء المصروفين تعويضاً لا يقل عن بدل أجرة شهرين ولا يزيد عن بدل أجرة اثني عشر شهراً”، فقد تخطتها النقابة ولم تعد تعترف بها. فـ”التعويض يجب ان يضرب بعشرة أضعاف. ومن كان يحق له من الموظفين بـ 5 أشهر كتعويض يجب ان يصبح 50، وإذا رفضت المصارف، فلن تمشي البنوك، ولا بيمشي شي بالبلد”، يعلق خوري.
ما الحل؟
خطة المواجهة التصعيدية التي لمّح اليها خوري، لم تعلن رسمياً بعد. فرد الفعل سيبنى على الفعل. ومن اليوم حتى حينه تقترح نقابة موظفي المصارف البدء بخطوات عملية وجدية، تجنب الجميع اجتراع هذه الكأس المرة. منها على سبيل المثال ارجاع اموال المصارف في الخارج وتأمين استمرارية الموظفين. تخفيض رواتب كبار المدراء التي توازي مخصصات بعضهم الشهرية 18 مرة ما يتقاضاه 90 في المئة من الموظفين. تخفيض الرواتب بشكل عام بنسب معقولة. واما اذا اضطر الامر لعمليات صرف فيجب ان تكون ضمن الحدود المقبولة وبتعويضات جديدة تحفظ كرامة الموظف وتضحياته. المرحلة المقبلة مفتوحة على كل التحديات. ويظهر ان كباش المصارف مع موظفيها سيكون واحداً من أعقدها. فالمصارف لديها سلاح رب العمل التقليدي، أما الموظفون فبيدهم سلاح التوقف الجماعي عن العمل وتعطيل كل مفاصل البلد بالاضافة الى المصارف.