في الفنون نوع نادرٌ هو فنّ اتّخاذ القرار. وعليه، لا بدّ للوزير أن يتعلّم كيف يقرّر، أو إن جاز القول أن يساعد نفسه كما وحكومته على اتخاذ القرارات بدلاً من الاستمرار في التخبط في حلقة، لا بل في حلقات مفرغة من أزمتي البنزين والمازوت وصولاً الى النتائج المخبرية المغشوشة وفضائح الكهرباء.
في حكومة تصف نفسها بالتكنوقراطية، الغلط ممنوع، والعشوائية ممنوعة… فعلى طاولة اعمال مجلس الوزراء ليوم أمس، قدم وزير الطاقة والمياه ريمون غجر عدداً من النقاط للمناقشة: أولاها العقد الموقع بين شركة النفط الجزائرية “Sonatrach Petroleum Corporation BVI” والدولة اللبنانية، والذي ينتهي أواخر العام الحالي وعدم رغبة الشركة بالتجديد؛ ثانيتها طرح الوزارة امكانية الاستمرار بتنفيذ عقد شراء مادة البنزين (95 أوكتان) مع شركة ” ZR Energy DMCC “؛ أما ثالثتها فطلب الوزارة إجراء فحوصات مخبرية على شحن المشتقات النفطية المستوردة الى لبنان من الخارج، والسماح للوزارة بالتعاقد مع اختصاصيين كيميائيين للتأكد من اجراء الفحوصات، بعدما فقدت مختبرات المنشآت مصداقيتها بفعل تورطها بأعمال تزوير.
في موضوع “سوناطراك” وانتهاء العقد في 31-12-2020 وبعد الكتاب القاسي اللهجة الذي وجهته الجزائر الى وزارة الطاقة، تقرّر إعداد دفتر شروط لاستقدام عروض من قبل الدول المصدّرة للفيول أويل، ما من شأنه ان يلغي دور الوسطاء، الا انه في الوقت عينه يطرح تخوفاً من عدم اهتمام شركات أخرى بتوريد الفيول اويل الى مؤسسة كهرباء لبنان، وتحديداً بعد البلبلة التي أثيرت حول “سوناطراك” والتي تناولت سمعتها، ليتّضح في وقت لاحق انها لم تكن مبنية على وقائع. أقلّه هذا ما توصلت اليه التحقيقات بعدما تبين ان الباخرة الثانية لم تشُبها شائبة.
أما في ما خص استكمال العقد مع “ZR Energy DMCC” ففي ذلك، “ربما”، تأكيد من جانب الوزير ان لا علاقة للشركة كما ولمديرها العام بقضية الفيول غير المطابق للمواصفات. أو ان قرار الوزير ناجم عن الشحّ الذي تعاني منه منشآت النفط في طرابلس والزهراني في مادتي البنزين والديزل. وهذا ما دفعه للاستعانة بالخيار الأخير لديه وهو استكمال العقد مع “ZR Energy DMCC”، بعد الفشل بإجراء آخر مناقصة للديزل التي لم يتقدم اليها سوى عارض وحيد كان شركة “Liquigas”، بالإضافة الى تأجيل مناقصة البنزين.
في هذا الصدد تشدد مصادر مطّلعة على ان موضوع “ZR Energy DMCC” أحيل الى هيئة التشريع لتبدي رأيها في الآلية التي يجب اتباعها، بهدف استكمال العقد مع الشركة الملاحقة قانوناً. وبالانتظار، طُرح خيار شراء البنزين والمازوت عبر الـ spot cargo ما يعني، عملياً، فتح الباب مجدداً أمام “ZR” و”BB Energy” ومعهما شركات مورّدة كانت مستبعدة في السابق.
في جميع الأحوال، قد يكون هذا الاحتمال بحسب الخبراء حكيماً شرط ان يقترن بآلية شفافة تحقق المنافسة بين الشركات المورّدة (Traders)، إلا ان احتمالية ان يكون هذا النوع من الشراء معلوم المصدر فرضية قائمة، الى جانب انه يتطلب أموالاً نقدية لشراء حمولة السفينة وهو ما يعجز لبنان عن تأمينها تحديداً، في ظلّ التأخر في فتح الاعتمادات بالدولار.
الى ذلك، يُطرح سؤال بديهي حول الجهة المكلفة إدارة عملية الشراء، في ظل استمرار تواري رئيس لجنة إدارة المنشآت سركيس حليس عن الأنظار، خصوصاً وانه غائب عن عمله منذ أكثر من أسبوعين (كما ينص القانون) من دون أن يقوم الوزير بإقالته.