تضرب الأزمة الإقتصادية والمعيشية، والتلاعب بسعر صرف الدولار الأميركي حياة اللبنانيين بلا هوادة، وتُلاحقهم في لقمة عيشهم، تُحوّل طعامهم وشرابهم الى كماليات ويعجزون عن شرائها امام الغلاء وارتفاع الاسعار. فوصلت الأزمة، بعد المواد الغذائية والإستهلاكية والفواكه على أنواعها الى اللحوم بعدما تجاوز سعر الكيلو الواحد الأربعين الف ليرة لبنانية. صدى الأزمة تُرجم بإقفال أصحاب المسالخ والملاحم وتجار المواشي في منطقة الزهراني، أبواب محالهم، توقّفوا عن الذبح والبيع بسبب ارتفاع سعر كيلو لحم البقر متجاوزاً الـ 40 الف ليرة لبنانية داخل المسلخ بالجملة، ليصل الى المواطن بالمفرق بـ 50 الف ليرة، وذلك نتيجة التلاعب بسعر صرف الدولار، وعدم توفره في السوق الا بسعر الصرف العالي الذي وصل الى 6000 ليرة لبنانية.
وأكّد القصّابون أن خطوة وقف البيع والذبح فرضتها الأزمة الإقتصادية والإرتفاع الجنوني بأسعار اللحم في سوقي الجملة والمفرّق ارتباطاً بسعر صرف الدولار. وقال القصّاب حسين عامر: “ذهبنا الى المسلخ في منطقة العاقبية في الزهراني كالعادة، تفاجأنا بالإرتفاع الكبير بسعر اللحمة، والجزّار الذي كان يذبح عشرة عجول بات يذبح واحداً فقط، ما اضطرّنا الى العودة فارغي اليدين. كنا نشتري الكيلو بـ 25 الفاً بعظمه، اليوم اصبح الكيلو بـ 40 الفاً، وكي لا نخسر بعد ازالة الشحوم والعظام سنضطرّ لبيعه بـ 50 الفاً، وهذا شيء حرام، والسعر يفوق قُدرة المواطن الذي أصبح يشتري بالفين وبثلاثة آلاف، ما إضطرنا الى الإقفال ريثما تستقرّ الأسعار”.
رماد وهدوء
وتشتهر منطقة العاقبية بكثرة محال بيع اللحوم الطازجة، يقصدها أبناء المناطق المجاورة وصولاً الى صيدا لشراء احتياجاتهم وبأسعار أرخص. نار مواقدها ودخان شواء لحومها لا يتوقّفان على مدار الساعة، ما يجعلها تعجّ بحركة لا تهدأ. اليوم تحولت النار رماداً والضجيج سكوناً، فيما ترتسم على وجوه أصحابها تساؤلات كثيرة، مصحوبة بالخوف من المصير المجهول والأزمة الى أين؟؟
ويقول القصّاب محمد عامر:” فضّلنا الإقفال على الخسارة، لا يُمكن للمواطن شراء اللحم بهذا السعر الخيالي 50 الفاً، ولا يمكن لأصحاب المحلات بيع اللحم بسعر منخفض أي بالخسارة. منذ بداية ارتفاع سعر صرف الدولار تضرّرت مصالحنا وانخفض مبيعنا بشكل لافت، اذ امتنع المواطنون عن شراء اللحم إلا عند الضرورة، بالمقابل قرّرت المسالخ في المنطقة خفض أعداد الذبائح، فباتت تذبح ربع الكمّية التي كانت تذبحها قبل الأزمة، اي انخفض عدد الرؤوس المذبوحة من 25 إلى 3 رؤوس فقط”.
وارتفاع أسعار اللحوم الطازجة دفع المواطنين الى شراء اللحوم المثلّجة بأسعار أرخص. ويوضح القصّاب عبد يونس أنه “نتيجة لارتفاع سعر لحم العجل، أقدمت بعض المحلات على بيع اللحوم المثلّجة بسعر يصل إلى 20 أو 25 ألفاً للكيلو”، مستغرباً “كيف ان أصحاب هذه المحلات يلومون القصّابين لبيعهم اللحوم الطازجة بأسعار عالية”، وقال: “هذا مرفوض”، داعياً المواطنين الى الانتباه من هذه الملاحم والتمييز بين الطازج والمثلّج”، مطالباً الحكومة والمعنيين بدعم هذا القطاع قبل انهياره الكامل.
وأعرب القصّاب درويش عامر عن مخاوفه من أن يفتح الغلاء باباً واسعاً على الغشّ، ويقول: “قد يلجأ بعض أصحاب الملاحم الى بيع اللحم المجلّد البرازيلي والهندي الذي يشترونه من براد “سينيق” الى بيعه على أنه طازج”، داعياً مصلحة المستهلك الى تكثيف حملات الكشف على هذه الملاحم ومدى التزامها بالمعايير، مؤكداً “نحن لا نستطيع العمل باللحم المثلج بينما اللحم الطازج غالٍ جداً وفضّلنا الإقفال بدل البيع بخسارة”.
الى جانب غلاء اللحوم، إستفحلت أزمة المازوت في صيدا مع فقدان المادة من المحطّات، ودقّ اصحاب المولّدات الكهربائية (الاشتراكات) ناقوس الخطر من إطفاء مولّداتهم بعد انقطاعهم من المازوت حيث وصل سعر الصفيحة في السوق السوداء، إن وجدت، الى 24 الف ليرة لبنانية، بينما سعرها الرسمي لا يتجاوز الـ12 الف ليرة لبنانية.
وأبلغ احد اصحاب المولّدات الخاصة “نداء الوطن” أنّ الإتّجاه يميل الى تقنين التغذية من اشتراك المولّد بمقدار ست ساعات يومياً، نتيجة أزمة المازوت، وِفق برنامج مُحدّد، يقوم على الإطفاء من السادسة صباحاً حتى الثامنة، ومن الثانية عشرة الى الواحدة ظهراً، ومن الثالثة الى الرابعة عصراً، ومن السادسة الى السابعة والنصف مساء، الى أن تنفرج الأزمة، مُتوقّعاً أن تكون فاتورة الشهر مرتفعة نظراً الى التقنين القاسي وغير المسبوق في التيار الكهربائي”.