نجحت لجنة تقصّي الحقائق في مجلس النواب في خرق جدار الأزمة الإقتصادية والنقدية، من خلال مقاربة مختلفة. فجمعت تحت قبة البرلمان كل الاطراف، وخلصت إلى نتائج “لاإفلاسية”، من الممكن تشكل طوق نجاة للإقتصاد الذي يغرق. فعلى ماذا اعتمدت هذه اللجنة وكيف تقيّم علاقتها مع الحكومة وصندوق النقد الدولي؟ وما هي نظرتها إلى الاجراءات المتخذة؟ عن كل هذه الاسئلة يجيب عراب المبادرة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، في حوار خاص مع “نداء الوطن”.
ما هو سبب الاختلاف الكبير في تقييم الخسائر بين الحكومة ولجنة تقصّي الحقائق النيابية.وهل هذا الفرق الكبير في الارقام “محاسبي” أم “سياسي” أم الاثنين معاً؟
السؤال يفترض أن هناك أرقاماً للجنة وهذا غير صحيح. لا أرقام للجنة كي تقارن مع أرقام الحكومة بل الإختلاف الكبير كان بين الحكومة من جهة، ومصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الإقتصادية والمجلس الإقتصادي الإجتماعي من جهة أخرى، ليس على الأرقام فحسب، إنما والأهم، على المقاربات التي أدت الى هذه الأرقام والتي اعتبرها المشاركون من هيئات إقتصادية وقطاع مصرفي ونواب، إفلاسية. أما بالنسبة للسياسة فمجرد أن يلتقي الموالون والمعارضون والمستقلون وحتى وزارة المال في العديد من النقاط، على إعادة النظر ببعض المقاربات وصولاً الى الأرقام التي نتجت منها، لهو أكبر دليل أن لا سياسة على الاطلاق في كل هذا المسار البرلماني.
هل اعتمد تقرير لجنة التقصي سعر صرف 3500؟ وهل كان هو أحد اسباب الاختلاف مع ارقام الحكومة؟ وهل سيبقى هذا الرقم منطقياً في ظل انهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار؟ وما انعكاس تثبيت هذا الانخفاض على الارقام المستقبلية؟
أعتقد السؤال هنا مرتبط بخلفية السؤال الأول. فقد أكدت أن لا أرقام خاصة للجنة لأنها ليست طرفاً إنما جهة رقابية تسعى لتبيان الحقائق ولتوحيد المقاربات بين أركان الوفد اللبناني، الأمر الذي كان على الحكومة القيام به قبل إقرار هذه الخطة في مجلس الوزراء والذهاب الى المفاوضات. أما التقرير فهو كناية عن خلاصات اللجنة التي ارتكزت في الدرجة الأولى على النقاشات التي دارت بين المتحاورين المذكورين وعلى ما توصلنا اليه من نتائج، لجهة توحيد المعايير والمقاربات كما لتحديد مكامن الخلل الدستورية والقانونية والمالية، وبالتالي نحن لم نغيّر سعر الصرف المعتمد من الحكومة أي 3500 للدولار الواحد، ومن الطبيعي اذا استمرّ سعر الصرف بالانهيار من أن يؤثر على احتساب نسبة الدين للناتج المحلي، كما حجم الخسائر والنسبة المفترض معالجتها وفقاً لمعايير صندوق النقد.
وما هو البديل عنه؟ Haircut ما هو موقفكم منه؟
البديل عن الهيركات هو توزيع الخسائر بين الدولة – التي أخرجت من هذا التوزيع في خطة الحكومة – بشكل أساسي نسبة لمسؤوليتها الكبيرة عن الأنهيار الحاصل ولسوء إدارتها وفشلها وفسادها، وبين مصرف لبنان الذي سلفها من دون سقف وكذلك المصارف، ولكن باستثناء المودعين. لن أتوسع أكثر في هذا المجال كوننا سنبدأ الأسبوع المقبل دراسة الحلول المطروحة بنفس الطريقة التي دققنا بها بأرقام الحكومة، لكن دعني أقول بأن فكرة الصندوق السيادي الذي يحتوي على بعض أصول وموجودات الدولة مطروحة، لكن للاستثمار وليس للبيع، ومن ضمن أفكار اخرى للنقاش.
لجنة تقصّي الحقائق مجتمعة في البرلمان
هل صندوق النقد هو من طلب التقاء “اللجنة”؟ وعلى ماذا تمحورت اسئلتكم مع وفد الصندوق؟
بالتأكيد وهو ما أبلغت به من قبل رئيس المجلس النيابي. قمنا مع وفد الصندوق بجولة دستورية ومالية واقتصادية على كل المفاصل الأساسية في خطة الحكومة كما على المقاربات التي توصلنا اليها، وناقشناها بصراحة وموضوعية وقد كان اللقاء برأيي مفيداً للجهتين وحتى للحكومة.
تسرّب ان الصندوق يعتبر ان ارقام الحكومة هي المنطلق المنطقي للمفاوضات. فكيف تلقف مبادرتكم التي تحمل الكثير من الاختلاف عن الحكومة؟
للمرة الألف لا خلاف بين المجلس النيابي والحكومة انما واجب رقابي بموجب المادة 142 من النظام الداخلي للمجلس النيابي، والتي فوجئت أن عدداً من المسؤولين الكبار والخبراء يجهلونه أو يتجاهلون الدور الرقابي للمجلس النيابي، فهل المطلوب الغاء دوره الرقابي وبالتالي المحاسبة؟ وهذه الرقابة هدفت أيضاً لتوحيد موقف الوفد اللبناني المفاوض الذي يهدد انقسامه ضياع فرصة التمويل المتوخاة من الصندوق. بأي حال عندما يصدر التقرير ستظهر الحقيقة التي حاول البعض تشويهها لمصالح وأجندات باتت معروفة.
من المفترض أن تفاوض الحكومة الصندوق وفقاً لمعطيات مالية وعلمية دقيقة وشفافة، بعد التشاور مع الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص وأن تضع في أولويتها استمرارية الدولة والاقتصاد، في كل مقاربة تطرحها وحماية الملكية الخاصة والنظام الاقتصادي الحرّ. وهذا ما أوضحناه لوفد الصندوق أما قضية الأرقام فهي تتغير مع تغير المقاربات.
ألا يزعزع هذا الخلاف بين الحكومة ومجلس النواب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟
لاحظت ان كل الأسئلة مبنية على فرضية الخلاف بين المجلس النيابي والحكومة وهو ما سعى الى تسويقه بعض المنتفعين من انقسام الوفد اللبناني أمام صندوق النقد، وارتبكوا عندما كدنا في لجنة المال والموازنة نتوصل الى تشخيص مشترك للخسائر وطريقة معالجتها، فأطلقوا حملة تضليلية توحي بأن اللجنة دخلت طرفاً في نزاع الأرقام والتفاوض مع صندوق النقد، ولكن سرعان مع تبين زيف هذه الإدعاءات السخيفة ولكن المضرة للبنان وفرص التمويل.
هل من الممكن ان يسقط البرلمان خطة الحكومة في حال عدم تغييرها؟ وهل هذا يعني تعطيل المفاوضات مع الصندوق وامكانية عدم حصول لبنان على المساعدة المالية؟
إن ما قمنا به من رقابة برلمانية بالتوازي مع التفاوض الحكومي الدائر مع صندوق النقد، يساهم بالحؤول دون الوصول الى هكذا نتيجة سلبية لأن الشفافية والصدقية تحمي لبنان، بخاصة بعد كل الاخفاقات الماضية من باريس 1 الى باريس 4 وقد ساهمت هذه الرقابة بالتركيز على الاصلاحات الموعودة والمغيبة منذ عقود، كشرط لأي برنامج مع الصندوق.
يحكى كثيراً عن ان الرقم الذي من الممكن ان يقدمه الصندوق إلى لبنان قد تناقص من 10 مليارات دولار إلى حدود 4 مليارات أو أقل. ما هو الرقم الاقرب إلى التصديق أو المنطق من وجهة نظرك؟ ولماذا؟
لا أستطيع أن أجزم انما سأتفاجأ ايجاباً اذا تجاوز الرقم الـ 3 أو 4 مليارات دولار أميركي. على كل حال الخطة فيها الكثير من الإفتراضات المستحيلة أو الشكلية وأبرزها الخيارات الممنوحة نظرياً للمودعين، انما فعلياً تشكل اقتطاعاً واضحاً من الودائع كالاكتتاب في المصارف المفلسة بعد تنفيذ الخطة، أو في صندوق الأموال المنهوبة الموعودة أو السندات الطويلة الأجل من دون فوائد. كلها وجوه لعملة واحدة: الهيركات.
ما هو رأيك بالخيار المشرقي؟ وهل يهدد خيار التوجه نحو صندوق النقد الدولي، أم هو بديل جدي؟ واستطراداً هل من الممكن ان يؤمن الاموال النقدية لعملية الانقاذ المطلوبة؟
اليوم المطروح أمامنا عملياً هو خيار صندوق النقد الدولي وأهميته ليست بحجم التمويل الذي قد يوفره، انما بـ”التأشيرة” التي يمنحها للبنان للعودة الى نادي الدول التي تتمتع بحد أدنى من الثقة الدولية وبالتالي الممكن تمويلها دولياً من هيئات وصناديق مالية خارجية.
ما هو سبب الحملة على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة؟ وهل تعتبرونه المسؤول الاول عن الازمة أو انه شريك فعلي أم انه غير مسؤول والمشكلة هي في السياسة النقدية؟
المسؤولية مشتركة بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف ولكن لا يمكن إغفال وزن القرار السياسي منذ 1990 خلال فترة الوصاية وحتى اليوم، في ما وصلنا اليه من انهيار سببه الأساسي افتقاد الارادة الحقيقية للاصلاح.