“سفن إيرانية تنتظر في البحر”.. هل يخاطر لبنان؟

يحضر “الدعم الإيراني” على الساحة اللبنانية بقوة مع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية على المجتمع، لاسيما وان “حزب الله” لا يوفر فرصة إلا ويسوّق فيها لـ”البديل”. من أمينه العام ومسؤوليه إلى وزرائه في الحكومة ونوابه في البرلمان، كل من موقعه وعلى قياس مسؤولياته، يسوق “للجهوزية الإيرانية” في كافة الملفات، من توفير النفط إلى توفير الأدوية والمواد الغذائية وتأمين الطاقة الكهربائية والاستثمار في البنى التحتية وصولاً إلى الدعم العسكري، مع عروض بتسهيلات في الدفع و”قبول الليرة اللبنانية كعملة للدفع، أو عبر تبادل السلع”.

في الوقت نفسه، تكثف المنظومة الإعلامية للحزب، وتلك المقربة منه سياسياً، من التقارير التي تروج لـ”ضرورة الانفتاح على الدعم الإيراني، وقبول العروض المقدمة”، أحدثها يروج لرواية تتحدث عن بواخر نفط إيرانية باتت مستعدة لـ”خرق الحصار الاقتصادي الأميركي”، وفق ما يروج حزب الله في سياق تبريره لجمهوره تبعات الأزمة الاقتصادية.

لم يعد الأمر مجرد إعلان نوايا، 6 أدوية إيرانية دخلت الأسواق اللبنانية بالفعل، والسلع الغذائية الإيرانية باتت متوفرة بكثرة في الأسواق اللبنانية لاسيما في مناطق نفوذ حزب الله، كالضاحية الجنوبية لبيروت. الأمر الذي يضع لبنان في مهب الآثار المترتبة عن تبادل تجاري وتعاون اقتصادي من هذا النوع، في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أميركياً ودولياً، إضافة إلى السياق السياسي الذي ستوضع فيه هكذا خطوات.

“قانونياً يمكن للبنان إجراء التبادلات التجارية مع إيران، باستثناء ما تشمله العقوبات الصادرة عن مجلس الامن الدولي” يؤكد استاذ القانون الدولي شفيق المصري في حديثه لموقع “الحرة”.
المصري يشرح أن “قوانين العقوبات الأميركية غير ملزمة قانونياً للبنان، فهي عقوبات من دولة ضد دولة وليست عقوبات دولية على إيران”. ويضيف مؤكداً أن “لبنان ملتزم بالقرار رقم 1929 الصادر عن مجلس الأمن تحت البند السابع، وما سبقه من قوانين دولية”، محذراً من تبعات خرق هذه القوانين تحت أي ذريعة اقتصادية.
لكن في المقابل ينبه المصري من تبعات سلبية على المصالح اللبنانية مع الولايات المتحدة، وعقوبات صادرة عن الولايات المتحدة قد تطال شركات لبنانية أو مؤسسات الدولة.

من جهته، يقلل الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان من واقعية الطرح من ناحية الاقتصاد وقابلية أن تشكل إيران بديلاً اقتصاديا للبنان الذي يعيش في ظل نظام اقتصادي مدولر حيث 80% من الودائع فيه بالدولار، فيما يستورد نحو 70% من السلع الاستهلاكية بالعملات الصعبة وتحديداً بالدولار.

يشير أبو سليمان إلى أن حجم الصادرات اللبنانية إلى إيران لا يتجاوز الـ 40 مليون دولار، وهذا ما يطرح تساؤلات عن فعالية التبادل التجاري بين البلدين على المدى البعيد ومردوده الاقتصادي على إيران، وكيفية تصريف إيران لليرة اللبنانية التي تعتبر عملة محلية غير مستخدمة في التبادل التجاري العالمي، وبالتالي سيكون أمام إيران فقط أن تشتري السلع من السوق اللبنانية بالمقابل، فيما لبنان لا يعتبر دولة منتجة لحاجات إيران المستوردة.

هذا النوع من التبادل التجاري من شأنه أيضاً أن يعرض القطاع المصرفي اللبناني للمجازفة، بحسب ما يؤكد أبو سليمان، الذي يستحضر ما جرى مع “جمال ترست بنك” الذي “أغلق بشطبة قلم” بعد فرض عقوبات أميركية عليه، وهذا ما لا يحتمله الواقع المصرفي الذي يتطلب اليوم “عناية فائقة” في التعاطي معه، على حد تعبير أبو سليمان.

استيراد النفط يحمل خصوصية اقتصادية – سياسية، ويعرض لبنان بلا شك لخطر العقوبات الأميركية والدولية، على ما يؤكد أبو سليمان، ويحذر من أن محاولة الالتفاف عبر توريد النفط إلى سوريا ومنها إلى لبنان حسب ما يحكى من سيناريوهات، سيعرض لبنان لمخاطر الوقوع بعقوبات قانون “قيصر” الذي يحذر من أي تعامل مع النظام السوري، وهذا ما سيضع لبنان أمام استحقاقات عدة أبرزها إعادة النظر باستجرار الطاقة من سوريا، كذلك بالنسبة لشراء القمح من سوريا خاصة إذا ما كان القمح مدعوماً من الدولة اللبنانية.

يجب على لبنان أن يقرر أين يصطف، إلى جانب سوريا وإيران والصين وبالتالي يعزل نفسه عن العالم، أم المحافظة على العلاقات مع الغرب الذي يمثل الشريك الاقتصادي الأول للبنان؟ يتساءل أبو سليمان، لافتا إلى أن حجم استيراد لبنان من الصين يبلغ نحو 2 مليار دولار، فيما يتضاعف الرقم إذا ما نظرنا إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

يعول لبنان اليوم على برنامج دعم من صندوق النقد الدولي لتخطي أزمته الاقتصادية، وفيما تملك الولايات المتحدة وحيدةً حق “الفيتو” على تقديم المساعدات من الصندوق، إذ تبلغ مساهماتها وحيدة نحو 16% من حجم الصندوق.
ويتساءل أبو سليمان عن مصلحة لبنان في استفزاز الولايات المتحدة في هذا التوقيت، عبر الحديث عن نوايا للتوجه شرقاً والتعامل مع إيران والصين، وهي أمور سبق للولايات المتحدة أن صنفتها في خانة “الخطوات الاستفزازية”.

كل ذلك يصل إلى نتيجة واضحة، مفادها أن المردود المنتظر من الدعم الإيراني لن يكون اقتصاديا كما تظهر الأرقام، إنما يأتي على شكل اصطفاف لبنان السياسي بين المعسكرين المتنازعين في المنطقة، وإبعاده عن المعسكر الغربي لصالح ما يسمى بـ”محور الممانعة”، وهو ما طالب به الأمين العام لحزب الله حينما دعا للتخلي عن وجهة الغرب و “التوجه شرقاً”. وفي هذا السياق يتوقع أبو سليمان أن يتجه الوضع اللبناني نحو مزيد من الانقسام الحاد بين “الشرق والغرب” قد يصل إلى أزمة سياسية حقيقية.

 

مصدرحسين طليس - الحرة
المادة السابقةبيانٌ لوزارة العمل بشأن حماية اليد العاملة اللبنانية
المقالة القادمةصادرات “اوبك” النفطية تتراجع في حزيران بحجم 1.84 مليون برميل يومياً