ليبيا ليست مجرد صحراء شاسعة جنوب البحر المتوسط لا تنتج سوى النفط وقليل من الغاز كما يعتقد البعض، بل تملك ثروات معدنية هامة لكنها في أغلبها غير مستغلة، على غرار الذهب واليورانيوم والحديد الخام وغيرها من المعادن، لذلك كانت منذ القدم محل أطماع دولية.
وليبيا رابع أكبر بلد أفريقي من حيث المساحة بعد الجزائر والكونغو الديمقراطية والسودان، حيث تتربع على مساحة تقارب 1.760 مليون كلم مربع، شمالي القارة السمراء، ويقطنها أكثر من 6.5 ملايين نسمة.
وتمتلك ساحلا طويلا مطلا على البحر الأبيض المتوسط يبلغ 1770 كيلومترا، ويوفر لها ثروة سمكية هامة لم تستغل بالشكل المطلوب، خاصة على مستوى خليج سرت ذي المساحة الواسعة والذي تحتكر ليبيا السيادة عليه، وإن اعترضت الولايات المتحدة على ذلك في عهد النظام السابق لأسباب سياسية على الأغلب.
والبحر بالنسبة لليبيين ليس فقط للاصطياف وصيد السمك، بل هو مصدر للثروة النفطية والغازية، حيث كانوا من أوائل الشعوب المتوسطية التي اكتشفت النفط والغاز بكميات كبيرة قبالة سواحلها على غرار حقل البوري النفطي، الذي اكتشف في عام 1976، ويعد الأكبر من نوعه في البحر المتوسط.
كما أن البلاد تحوي احتياطات منجمية هامة خاصة من الجبس والحديد، اللذين يدخلان في تصنيع عدة مواد متعلقة بالبناء، على غرار الحديد الصلب، والإسمنت والزجاج، والسيراميك. وليبيا التي عاشت عدة حروب منذ 2011، وحصارا دوليا طويلا في الثمانينات والتسعينات، تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة، خاصة وأنها بلد مصدر للنفط والغاز، وتمتلك احتياطات هامة بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى مصانع للحديد والصلب وأيضا للإسمنت، ناهيك بمناجم خام الحديد والجبس ورمال السيليكا (السيليكوم).
حتى اليد العاملة متوفرة لليبيا سواء من مصر شرقا، أو تونس غربا أو من الدول الأفريقية. ويمكن لليبيا استقطاب شركات المقاولات الدولية سواء من أوروبا أو آسيا ومن الدول العربية أيضا، شريطة توفر حد أدنى من الأمن.
كما يمكنها أيضا استعادة الاستقرار، واستقطاب الشركات الدولية ذات الخبرة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وبالتوازي مع ذلك فتح الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، والتركيز على قطاعات الكهرباء والبناء والأشغال العمومية، في المرحلة الأولى، بالنظر إلى أهمية تشييد البنية التحتية التي يقوم عليها اقتصاد الدولة. وتطوير قطاع المناجم يحتاج إلى خبرات أجنبية ورأس مال، وذلك لتوفير المواد الأولية للصناعات التحويلية، التي تملك ليبيا تجربة لا بأس بها ولكنها تحتاج تطويرها أكثر.
وتعرض مصنع الإسمنت بمنطقة سوق الخميس امسيحل جنوبي طرابلس للتخريب والسرقة خلال سيطرة القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر عليه، بعد هجومها على العاصمة طرابلس، قبل أن تنسحب منه بعد تحرير الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية مطلع يونيو/حزيران 2020.
وبحسب وكالة الطاقة الأميركية، فإن احتياطات النفط الصخري الليبي رفعت احتياطات البلاد من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل مما يجعلها الأولى عربيا من حيث احتياطات النفط الصخري والخامسة عالميا، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين والأرجنتين.
واللافت أن النفط الصخري يوجد شمال غربي ليبيا وفي جنوبها الغربي، مما يعني أن مستقبل النفط الليبي سينتقل من إقليم برقة إلى إقليمي طرابلس وفزان.
أما بالنسبة للغاز الصخري، فقد ارتفعت احتياطات الغاز الليبي إلى ثلاثة أضعاف، من 55 تريليون قدم مكعبة إلى 177 تريليون قدم مكعبة، وذلك بإضافة 122 تريليون قدم مكعبة من الاحتياطي القابل للاستخراج من الصخور.
وبذلك تحتل ليبيا المرتبة الثانية أفريقيا بنحو 8 تريليونات متر مكعب، بعد جنوب أفريقيا التي تمتلك 13 تريليون متر مكعب وقبل الجزائر التي تمتلك 6.5 تريليونات متر مكعب.
لكن استغلال النفط والغاز الصخري في ليبيا يحتاج إلى تقنيات متطورة، ناهيك بخطورته على البيئة، وإمكانية تدمير الأحواض المائية الجوفية الضخمة في الصحراء والتي تغذي مدن الشمال الأكثر كثافة عبر النهر الصناعي.
احتياطات هامة من الحديد
تمتلك ليبيا احتياطات ضخمة من خام الحديد تفوق حتى احتياطات موريتانيا، إذ تصل إلى 3.5 مليارات طن مع نسبة حديد بين مكونات الصخور تصل إلى 35-55 في المائة، بحسب المجلس الليبي للنفط والغاز. وتم اكتشاف مناجم الحديد بالجنوب الغربي لليبيا، خاصة في منطقة تاروت ببراك الشاطئ شمال مدينة سبها وتبعد نحو 750 كلم جنوب طرابلس.
وتنتج الشركة الليبية للحديد والصلب مليونا و750 طنا سنويا من الحديد والصلب، بحسب موقعها الإلكتروني، وتمكن مصنع الشركة بمصراتة من تصدير كميات منه إلى الخارج.
مناجم اليورانيوم
تتحدث عدة تقارير عن وجود مناجم اليورانيوم بالجنوب الغربي لليبيا في منطقة العوينات الغربية بالقرب من مدينة غات، الحدودية مع الجزائر، بحسب المجلس الليبي للنفط والغاز. وهذا المثلث الحدودي بين ليبيا والجزائر والنيجر، معروف بوجود كميات من اليورانيوم به، لكنه غير مستغل إلا في النيجر، نظرا لأن الشركة النووية الفرنسية “أريفا” تحتكر استغلال هذا المنجم، وعبر خام اليورانيوم يتم استخراج الطاقة الكهربائية في فرنسا بعد تخصيبه في مفاعلات نووية.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل فرنسا تهتم بإقليم فزان، الذي يوجد به اليورانيوم، ناهيك بالنفط والغاز.
ذهب وعناصر نادرة
وتوجد شواهد من الذهب في منطقة العوينات الشرقية، قرب مثلث الحدود الليبية مع مصر والسودان، كما توجد في جبال تيبستي من الجانب الليبي على الحدود مع تشاد شواهد للذهب والمنغنيز. لكن ذهب ليبيا في تيبستي عرضة للنهب من الباحثين الأفارقة عن المعدن الأصفر، والذين يجوبون الصحراء الكبرى من السودان شرقا إلى موريتانيا غربا، مرورا بتشاد وليبيا والنيجر والجزائر للتنقيب عن الذهب بوسائل بسيطة.
وفي نفس المنطقة، توجد ما تسمى بالأتربة النادرة أو العناصر النادرة، والتي تدخل في صناعة التقنية النووية والإلكترونية المتطورة مثل الهواتف الذكية ومكبرات الصوت، والخلايا الضوئية المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية.
وتحتكر الصين إنتاج 90 في المائة من العناصر النادرة المشكلة من 17 عنصرا كيميائيا، وتعاني الولايات المتحدة من تبعية قاتلة لبكين في هذا المجال، حيث تستورد منها 80 في المائة من حاجاتها، لذلك تبحث واشنطن عن بدائل، وقد تكون ليبيا مستقبلا أحد هذه البدائل.
خامات غير فلزية
على غرار الأحجار الجيرية التي تستخدم في صناعة الإسمنت والجير والحديد والصلب والطلاء والبلاستيك، وتوجد في سوق الخميس امسيحل ، والعزيزية ودرنة، توجد أيضا الأحجار الدولوميتية، التي تستخدم في صناعة الطوب الحراري والزجاج، وتقع في بني وليد.
كما توجد عدة خامات أخرى في ليبيا مثل الطينات ورمال السيليكا والكالكارنيت التي تستخدم في صناعات الإسمنت والزجاج والقوالب الحجرية والخزف.
فالاحتياطات الهائلة التي تملكها ليبيا سواء من حديد ويورانيوم وذهب ونفط وغاز صخريين وعناصر نادرة، ناهيك بموارد مائية جوفية وساعات مشمسة طويلة لإنتاج الطاقة الشمسية، تجعلها محل أطماع دولية، خاصة في ظل قلة عدد سكانها وتنازعهم في ما بينهم.
المصدر: العربي الجديد