لا يخفى على أحد أن الثورة المتسارعة، التي تعيشها صناعة السيارات اليوم باتت تقوم على التكنولوجيا المتقدمة، لكن ذلك لم يمنع من تزايد التحذيرات من المخاطر التي تسببها رقمنة المركبات بشكل مفرط رغم ميزاتها اللامحدودة.
وأظهرت نتائج مسح أجرته شركة جي.دي باور المتخصصة في دراسات السوق الأميركية ونشرته قبل أيام، أنه كلما زادت الخصائص التكنولوجية المتقدمة في السيارات الجديدة زادت احتمالات معاناة مالكها من مشكلاتها خلال أول ثلاثة أشهر من شرائها.
ومع أن البعض من المختصين يرون أن الولايات المتحدة ليست مقياسا بالنظر إلى دول أخرى مهتمة أكثر منها بصناعة المركبات الذكية مثل ألمانيا والصين، إلا أن المؤشرات قد تكون بداية لدراسات أعمق في الفترة المقبلة.
وشمل المسح، الذي أجري خلال العام الحالي أكثر من 87 ألف مالك للسيارات الذكية من طراز 2020، حيث كشف البحث عن زيادة عدد المشكلات التي تعرض لها أصحاب السيارات مقارنة بنتائج المسح في العام الماضي.
وبحسب نتائج المسح فإن العام الحالي شهد ظهور 166 مشكلة لكل مئة سيارة جديدة مقابل 93 مشكلة لكل مئة سيارة في العام الماضي.
وتعطي هذه المعاينة لمحة واضحة عن الأسباب التي جعلت الكثير من المختصين يتوقعون أن تشهد السيارات الذكية عائقا في المستقبل في حال لم يتم اتخاذ كافة التدابير الممكنة لتفادي الأسوأ، خاصة في ما يتعلق بالأعطال التي قد تتسبب في حوادث مميتة.
وقال دوغ بيتس رئيس قطاع السيارات في جي.دي باور، إن “هذه الأرقام ربما تكون غير قابلة للمقارنة الدقيقة لأن الشركة غيرت الأسئلة التي وجهتها للزبائن خلال العام الحالي”.
وأكد المسؤول السابق بشركة الإلكترونيات الأميركية العملاقة آبل أن الأسئلة شملت الخصائص الأحدث في السيارات مثل وجود حساس غير معتاد لصندوق السيارة، وبعض الخصائص الدقيقة في نظام المعلومات بالسيارة، واتضح أنه كلما زادت التقنيات المتقدمة في السيارة زادت فرص ظهور المشكلات فيها.
وأشار بيتس إلى أن هذه القاعدة هي التي تفسر لماذا تحتل السيارات الفارهة مرتبة متدنية نسبيا في تصنيف جي.دي باور لجودة السيارات خلال السنوات الأخيرة.
وقد احتلت سيارات جينسيس الفارهة التابعة لمجموعة هيونداي الكورية الجنوبية المركز الثاني من حيث عدد المشكلات حيث سجلت 142 مشكلة لكل مئة سيارة.
وظهرت 159 مشكلة في كل مئة سيارة من إنتاج لكزس للسيارات الفارهة والتابعة لمجموعة تويوتا اليابانية و162 مشكلة لكل مئة سيارة من سيارات كاديلاك الأميركية.
ويقول محللون إن هذه المعطيات قد تسمح للمصنعين وشركات التكنولوجيا بجمع كافة الخيوط التكنولوجية المفقودة، في محاولة لتقليل أكثر ما يمكن من هامش الأخطاء.
ومن الأخطاء التكنولوجية، المفتاح الإلكتروني والذي يعتبره البعض وسيلة رائعة للحماية إذ أنه يتيح للسائق فتح سيارته عن بعد أو إقفالها. ولكن المشكلة تكمن في حال ضياع هذا المفتاح أو فقدت السيارة كل مصادر الكهرباء وما يترتب عن ذلك من مشاكل في فتح السيارة، خصوصا أن تكلفة المفتاح الجديد ليست بالزهيدة.
ومع أن الشاشات، التي تعمل باللمس في كل مكان، وكل الشركات تضعها الآن في السيارة بدلا من الأزرار الأخرى، غير أن المشكلة تكمن في حال تعطلت شاشة اللمس أو فقدت السيارة الكهرباء.
ويبدو أن الشركات غير مهتمة لذلك الأمر، حيث من الواضح أنها تدير ظهرها لمثل هذه العراقيل وهي تمضي قدما في تنفيذ خططها مهما كانت التكاليف.
وفي ظل تنامي أهمية البرمجيات، أصبح القطاع أكثر اعتمادا على الشركات العملاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث تسعى الكثير من شركات السيارات لذلك في توسيع إمكانياتها وزيادة خبرائها في هذا المجال.
وتعتزم مجموعة دايملر الألمانية استخدام كمبيوترات شركة أنفيديا الأميركية في سيارات مرسيدس القادمة، في أحدث خطوة في مجال
البرمجيات.
ومن المنتظر استخدام تقنيات هذه الكمبيوترات في أنظمة السائق المساعد، وجزء من القيادة الذاتية بالإضافة إلى استخدامها بشكل كامل في خاصية التوجيه في مواقف صف السيارات.
وتسعى مرسيدس إلى طرح أولى هذه السيارات بالتقنية الجديدة في عام 2024، وذكرت الشركة أنه مع الوقت سيتم استخدام هذه التقنية في كل طرازات مرسيدس بنز.
وقال داني شاربيو، رئيس قطاع أعمال السيارات في أنفيديا إن “البرمجيات تلعب دورا حاسما في قطاع صناعة السيارات في الوقت الراهن لأنها برمجيات يمكنها أن تجعل المنتجات أحسن وأحسن”.
ومن المنتظر أن يتم استخدام كمبيوتر السيارات أورين الذي طرحته إنفيديا نهاية العام الماضي، في كل سيارات مرسيدس بغض النظر عن فئة الموديل وباقة الوظائف التي يطلبها العملاء.
وتعالج تقنية أنفيديا بيانات مختلف أجهزة الاستشعار ويتم تشغيل البرمجيات باستخدام الذكاء الاصطناعي. وأكد شاربيو أن النظام سيعمل في عام 2024 وفقا للحالة المُحَدَّثَة للتقنية.
وتعمل العديد من الشركات في الوقت الراهن على برمجيات وتقنيات أخرى من أجل نظام القيادة الذاتية، وقد قطعت شركة وايمو المملوكة لمجموعة غوغل شوطا بعيدا في مجال السيارات ذاتية القيادة حيث تقوم باختبار خدمة روبوت يعمل كسيارة أجرة في الولايات المتحدة.
كما تعمل آبل وشركة أوبر وشركات أخرى ناشئة على إعداد برمجيات للقيادة الذاتية، في الوقت الذي تبذل فيه مجموعة فولكسفاغن الألمانية العملاقة لصناعة السيارات جهدا من أجل وضع أسس خاصة بها في مجال ابتكار مركبات المستقبل من أجل أن تكون رقما صعبا في هذا المجال.
وتستعد فولكسفاغن لإطلاق وحدتها الخاصة للبرمجيات مطلع الشهر المقبل، والتي ستكون بمثابة منصة إلكترونية لكافة العلامات التجارية الخاصة بالمجموعة.
وستمثل هذه الوحدة جوهر النظام التشغيلي للسيارات، والذي من المقرر إعداده بالكامل بحلول عام 2024، في خطوة قد تشكل انطلاقة جديدة لتغيير وجهة التنافس في ميدان التكنولوجيا.
ونسبت وكالة الأنباء الألمانية إلى رئيس القطاع الرقمي في المجموعة، كريستيان زينغر، قوله إن “فولكسفاغن ستتحكم بنفسها عبر هذا النظام في هندسة السيارات برمتها، بما في ذلك الإلكترونيات”.
وأوضح في الوقت نفسه أن المجموعة ستظل منفتحة على الشراكات أو الشركات المحاصة أو المساهمات.