إنقسام حول إنشاء "لجنة لجمع المعلومات حول الثروات".. عازار: الخطوة غير دستورية
رغم تشعّب الملفات المحالة إلى مجلس النواب، شكّل التدبير رقم 6 المتعلق بإنشاء لجنة مهمتها جمع المعلومات المتوافرة حول ثروات كل من تولّى مركز عام مادة خلافية بارزة خلال الاجتماع ما قبل الأخير للجنة الادارة والعدل بين أعضائها من جهة، الذين توافقوا على عدم قانونيته، ووزيرة العدل ماري كلود نجم من جهة أخرى، بعدما أكدت أن مهام اللجنة تقتصر على تجميع معلومات متوافرة للعلن ولا تحل مكان الجهات الرقابية أو القضائية، بل تمهّد لتفعيل عمل هذه الجهات. وبالتالي، ليست مخالفة للقانون وإن كنا ننتظر وفي هذه المرحلة التي نمرّ بها، الذهاب أبعد من ذلك من خلال إلزامية التصريح العلني لكل شخص تولى الشأن العام.
وأشارت إلى أن هذا كان اقتراح وزارة العدل خلال مناقشة قانون الإثراء غير المشروع الجديد إنما لم يوافق عليه في حينه.
وإذ يتفق النواب في لجنة الادارة والعدل على أنه لا لزوم لهذه اللجنة التي يخشى أن تسلك مساراً سياسيا انتقاميا، فيما تم التصويت على إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تؤكد نجم على أهمية دور الهيئة، حيث إن اللجنة المكلفة بجمع المعلومات تضعها بعهدة الهيئة الوطنية المذكورة فور مباشرة عمل هذه الأخيرة. ولكن لا يمكن الانتظار إلى حين تشكيل الهيئة.
وسط الانتقادات النيابية لدستورية إنشاء مجلس الوزراء، لجنة لتقييم وإعداد ملفات لشخصيات عامة وموظفين رسميين وغيرهم بما يناقض الدستور والقوانين التي أقرت لمحاربة الفساد، مع التحذير بأن هذا التدبير هو المدخل للكيدية السياسية والإنتقائية، ومع طرح البديل في الإسراع في إقرار قانون إستقلالية السلطة القضائية وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يبقى السؤال:
هل طويت صفحة التدبير رقم 6 الذي هو قرار لمجلس الوزراء على طاولة لجنة الادارة والعدل النيابية؟
يقول عضو كتلة “التنمية والتحرير” عضو لجنة الادارة والعدل النائب إبراهيم عازار “للاقتصاد”: كان هناك إجماعاً في لجنة الادارة والعدل على أن التدبير رقم 6 الذي هو بمثابة قرار لمجلس الوزراء هو غير دستوري، وبالتالي، لايمكن للسلطة الاجرائية التي هي سلطة سياسية إصدار الحكم على فرد أو التشكيك فيه ليتم التدقيق في ثروته. والخطأ في اتخاذ القرار يكمن في غياب الآلية الدستورية والقانونية اللازمة.
وإذا كان من شكوك لدى مجلس الوزراء حول أي موظّف فهناك قانون الإثراء غير المشروع وقانون مكافحة تبييض الأموال بالامكان اللجوء إليهما وإحالة المشكوك فيه على القضاء.
ويلفت عازار، إلى أن “وزيرة العدل أوضحت أن الهدف من هذا التدبير هو استقصاء المعلومات حول بعض الأفراد. ولكن السؤال المطروح وفق أي معيار وتصنيف. من هنا، لا يمكن الاقتناع بأن هذا التدبير سيبقى بعيدا عن اي انتقام سياسي. ويبقى التخوّف من استعمال السلطة في خدمة السياسة الانتقامية”.
ويقول: “النية شيء والهدف شيء آخر. والواقع شيء والامكانات الدستورية شيء آخر. الهدف سليم ولكن المشكلة في إخراج القرار. في مجلس النواب أكثر من 55 قانوناً ما عداه من مراسيم اشتراعية ولكن المشكلة في وضعها جميعها قيد التنفيذ”.
ويؤكد عازار، على أن “الآلية القانونية لملاحقة أي فرد تقتصر على إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أقرّها مجلس النواب على أمل أن يتم تشكيل هذه الهيئة في أيلول المقبل كما وعدتنا الحكومة بعد إتمام عملية انتخاب القضاة الاعضاء في آب. واجهت السلطة التشريعية هذا القرار الوزاري مستندة إلى الاعتبارات القانونية وربما السياسية، و يبقى التوّقف عند الرأي القانوني”.
يعتبر المحامي بول مرقص رئيس منظمة “جوستيسيا” الذي لجأ إليه الوفد اللبناني المفاوض مع “صندوق النقد الدولي” في جلسته الأخيرة حول “مكافحة الفساد”، أن: “القاعدة الأساسيّة لعمل اللجنة هي جمع المعلومات العامة من السجلات العامة العقارية والتجارية وتنسيقها وتوحيدها ومقارنتها وتحليلها أسوةً بما يمكن أن تقوم به الصحافة الاستقصائية أو أي مواطن، إنما على نحو أكثر تنظيماً. فهذه اللجنة لا يمكن أن يكون لديها أي صلاحيات رقابية أو تقريرية أو قضائيّة، ولا يمكن أن تقوم بدور القضاء. عمل اللجنة تمهيدي ريثما يصار إلى تشكيل الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد في مهلة الأشهر الثلاثة التي تلي قانون انشائها والمتوقّعة مطلع أيلول فيصبح ذلك من اختصاصها الحصري”.
وإذ أثنى مرقص على مبادرة وزيرة العدل خصوصاً لجهة إشراك نقابة المحامين في اللجنة لما تلعبه من دور محوري في الدفع لمكافحة الفساد وبالكثير من بنود ورقة التدابير الاجرائية التي قدّمتها بجرأة منذ نحو شهرين، وقال: “المطلوب تطبيق القوانين والآليات الراهنة رغم الحاجة الدائمة إلى تطويرها، أكثر من أي أمر آخر، بدليل عدم تطبيق نحو 50 قانوناً بينهم 10 نصوص إصلاحية موجودة”.
لكن المرجع القانوني يسأل: “هل تألفت هذه الخطوة الحميدة مع المنظومة القانونية الحالية حتى لا تتعارض مع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الصادر في أيار الماضي، ومع القانون رقم 44 لعام 2015 وهيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟ هذا رغم أن الفكرة خلاّقة حيث تخلو صلاحيات هيئة التحقيق من هذه الممارسة المنهجية الجيدة مثلاً رغم أنها تقوم بها إفرادياً أي فقط عند الاشتباه، وليس منهجياً على جميع الموظفين والعاملين في الشأن العام”. ويسأل أيضاً ولصحّة عمل اللجنة التي لم يطّلع على مشروع نظامها بعد: “هل يعود لمجلس الوزراء تأليف هكذا لجنة؟ وهل تتعارض مع حماية الحياة الخاصة والخصوصيات إذا جرت مأسستها وتأطيرها على هذا النحو المنهجي المعمّم؟ ثم إن البعض يثري لسبب غير مرئي كإفادته من إرث بعد دخوله الوظيفة أو تسجيل أموال بإسمه من قبل أقرباء له في الخارج فماذا ينفع حينها إجراء الكشف دون أن يكون لدى اللجنة المعنية صلاحية الاستماع والاستجواب والتحقيق؟ وكيف نضمن حياد هذه اللجنة في تشكيلها وعملها رغم أن عضويتها المقترحة فيها ضمانات جيدة؟”.
وأضاف مرقص: “السؤال الأكبر الذي يظلّل ملاحظاتي: ولو أعطيت للجنة هذه الصلاحيات – وهل ثمة أفضل من القضاء الذي يتمتّع بها أصلاً وبداهة- ماذا يمكنها أن تفعل في ظلّ غياب القرار المركزي عن رفع الحمايات عن زبائن الجماعات السياسية؟ مشكّكا بأن الجماعات السياسية مستعدة للتضحية بزبائنها في الإدارة بدليل أنها تواظب على تعيينهم على النحو الذي كانت تفعله دوماً دونما ارتداع أو صحوة، آملاً ألا يؤدي ذلك إلى تراجع الطيّبين والخيّرين عن مبادرات في الشأن العام لمكافحة الفساد”.
يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس:” إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟”.
نعم، من المؤكد أن هيبة القائد الصالح ترعب الفاسدين وتحقق الدولة الفاضلة التي يصبو الى العيش في كنفها كل مواطن. ولكن بؤس هذه الايام التي نبحث فيها عن القادة الحقيقيين.