بين كارثتين صحّية واقتصادية، يقف لبنان على حافة الهاوية، يحبس أبناء صيدا أنفاسهم مع الإرتفاع المُضطردّ في أعداد المُصابين بـ “كورونا” من جهة، والمزيد من تردّي الأوضاع المعيشية من جهة أخرى، مع توالي الأزمات لجهة التقنين القاسي بالتيار الكهربائي، وفقدان مادة البنزين وشحّ المازوت في المحطّات، وكلّها عوامل تؤدّي الى رفع الصرخة طلباً للنجاة من المرض والموت والجوع معاً.
لا نُريد العودة الى نقطة الصفر، شِعار ردّده أبناء المدينة، اعلنوا الإستنفار الطوعي وقرّروا الإلتزام بالإجراءات الوقائية لمنع تفشّي “كورونا”، من دون انتظار قرارات الحكومة. فخطورة انتشار الفيروس فرض نفسه بقوّة على مختلف مرافق الحياة اليومية، في المعاملات الرسمية في السراي الحكومي، في الأسواق التجارية، ومحال بيع المواد الغذائية والتموينية، وفي المصارف وسواها، الكلّ لجأ الى الكمّامة للحماية، ولإسقاط وهم من حاول عبثاً تصديق كذبة عدم وجود الفيروس من أصله.
وفي جولة ميدانية لـ”نداء الوطن”، شهدت صيدا ازدحاماً خانقاً وعجقة سير غير مسبوقة، تمحورت في الشوارع الرئيسية ولا سيّما منها شارع رياض الصلح الرئيسي وامتداداً الى ساحة الشهداء، وصولاً الى مستديرة سراي صيدا الحكومي (العربي) ومستديرة الأميركان، حيث توقّفت حركة السيارات بالكامل لأكثر من نصف ساعة، بالرغم من كل جهود عناصر مفرزة السير تنظيمها وتسهيل مرورها، تزامناً مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة والرطوبة.
والعجقة اللافتة هذه بالرغم من التحذيرات المُتكرّرة من تفشّي “كورونا”، فسّرها مواطنون بأنّها تعود لإقبال المواطنين على التزوّد بالمواد الغذائية والتموينية مع المعلومات التي تحدّثت عن امكانية إقفال البلد لمنع انتشار الوباء، وتزامناً مع أسبوع عيد الأضحى المبارك من جهة، وبداية الأسبوع، حيث يتقاطر المواطنون الى المصارف للحصول على حصّتهم الأسبوعية من سحوباتهم المالية من جهة أخرى. وحمّل الحاج محمد اليمن الحكومة مسؤولية تفشي “كورونا”، وقال لـ”نداء الوطن”: “إنّ السبب الرئيسي يعود الى فتح المطار باكراً، من دون تخطيط مستقبلي، او اتّخاذ الإجراءات الإجبارية للقادمين لجهة الحجر وإعادة الفحوصات”، مُضيفاً “انّ صحّة الناس وحياتهم أهمّ من الأموال”، مُتسائلاً: “ما فائدتها اذا خسرنا هذه الجولة من المعركة الصعبة من الجائحة”؟ ولم تسلم السراي الحكومي من الإجراءات الوقائية، اذ شهدت مداخلها الرئيسية إجراءات مُشدّدة من قبل عناصر قوى الامن الداخلي لجهة الزام المواطنين الوافدين اليها بارتداء الكمّامات والقفّازات، تقيّداً بقرارات مجلس الوزراء الوقائية لمكافحة انتشار الوباء، في ظلّ ارتفاع أعداد الحالات الإيجابية في كلّ المناطق اللبنانية، والعمل على منعهم من الدخول في حال عدم التزامهم، فيما عمد رؤساء وموظفو الإدارات العامة الى وضع لافتات على مداخل مكاتبهم لمنع المواطنين من الدخول اليها من دون ارتداء كمّامة. الى ذلك، عادت أزمة الطوابع في محافظة لبنان الجنوبي، لتُشكّل همّاً إضافياً للمواطنين فوق همومهم المعيشية والإقتصادية حيث انهمك المواطنون في البحث عن الطوابع المالية بين أروقة السراي وخارجها لإنجاز معاملاتهم.
وبقيت الأسواق التجارية تعاني الركود بالرغم من دخول اسبوع العيد والتنزيلات والحسومات الكبيرة على أسعار البضائع بمختلف أنواعها، فالسوق الذي كان يعجّ عادة بالإزدحام قُبيل العيد، شهد حركة خفيفة، لم ترقَ الى أماني التجّار وطموحاتهم، وصفها بعضهم بأنّها حركة بلا بركة، وبعضهم الآخر بـ”العين بصيرة واليد قصيرة”، بعدما تحوّلت الأولويات الى تأمين الطعام والشراب بدلاً من الثياب والهدايا والألعاب والحلوى. وتقول نبيلة المصري لـ “نداء الوطن”، وهي أمّ لثلاثة أولاد: “لم استطع هذا العام شراء الثياب الجديدة، بالكاد نستطيع تأمين لقمة العيش، فزوجي يعمل على عربة خضار جوّالة لتوفير مصروفنا، وهذه المهنة أصبحت كثيرة في ظلّ صرف الموظّفين والبطالة، فالناس تسعى الى العمل بدلاً من مدّ اليد”، آملة في “أن نتجاوز الأزمة الصحّية بأقلّ الخسائر المُمكنة، لقد تعبنا من الضائقة المعيشية والإقتصادية ونكاد نموت”. ولم تُخفِ جمعيّة “تجّار صيدا وضواحيها” قلقها على مستقبل القطاع وهو ينحدر تدريجياً نحو الهاوية، من دون أن يلقى أي مساعدة رسمية، فالعيد يُطلّ هذا العام ولبنان يواجه العديد من التحدّيات التي تُنغّص على المواطن بهجته، وأولّها وأكثرها خطورة جائحة “كورونا” مع إرتفاع أعداد المصابين بشكل كبير، ووفاة عدد منهم وما تفرضه من استنفار صحّي وحظر على بعض المرافق والقطاعات، وقيود على حركة بعضها الآخر، وتعليق لعمل مؤسسات عامة وخاصة.
وقال رئيس الجمعية علي الشريف: “لا يُخفى على أحد ما تسبّب به تفشّي هذا الوباء من تداعيات على القطاعات الإقتصادية وخاصة القطاع التجاري، لتُضاف الى الأزمة المالية والإقتصادية التي تُحاصرها الى حدّ الإختناق، بعد ما أدّت اليه هذه الأزمة من تضخّم غير مسبوق، ومن انهيار لقيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار”، وطالبت الحكومة بالعمل سريعاً على ايجاد الحلول الكفيلة باعادة بعض الرمق للقطاعات الإقتصادية والتجارية، خصوصاً باعتماد خطوات عملية ناجعة تضع البلد على سكّة الخروج من أزماته، وتُعيد الثقة بالبلد واقتصاده وعملته، وتُخفّف عن المواطن همّه المعيشي والحياتي.