في ظلّ التقنين الكهربائي الحاد غير المسبوق الذي تشهده البلاد، تتخبط وزارة الطاقة والمياه بين هيمنة الموزعين والمهربين منهم على مادة المازوت، وبين ابتزاز أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة الذين يستغلون ضعف الدولة وعجزها عن تغطية الفجوة الإنتاجية للتيار الأصفر. لا تقتصر الصفعات التي تتلقاها الوزارة عند هذا الحدّ، بل انها تطال مرحلة متقدمة من معركة شدّ الحبال بينها وبين “سوناطراك” التي كانت قد أرسلت منذ اكثر من أسبوع شحنة فيول (مايا) قيل في بادئ الامر انها غير مطابقة “للمواصفات اللبنانية” فأعيد فحصها في دبي وتبين انها مطابقة، لتُفرغ في خزانات مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك بعد “بالتيك” غير المطابقة استناداً الى المختبرات العالمية و”اسوبوس” المطابقة. هذا الامر أدى الى المزيد من التوتّر في العلاقة المتدهورة اصلاً مع “سوناطراك”، فتفاقم الاحتدام الذي دفع في نهاية المطاف بالشركة العالمية الى اتخاذ قرار عدم استكمال العقد مع الجانب اللبناني، مبدية استعدادها لدفع قيمة البند الجزائي كاملاً. كان ذلك، قبل ان تجهد وزارة الطاقة لتغيير مجرى هذا القرار، وتقنع شركة الدولة الجزائرية بالعدول عن رأيها وقد اعلمت الشركة الوزارة عن ارسالها شحنة فيول اويل تصل الى الشاطئ اللبناني بعد يومين تحديداً في 31 الجاري.
لكن وبالانتظار، وتحسباً من أي طارئ غير متوقع، وهرباً من عتمة شاملة، رضخت الوزارة الى سياسة الـ”استلاب” التي يمارسها عدد من أصحاب المولدات الخاصة فأصدرت أمس تسعيرة شهر تموز على أساس معدل وسطي لسعر صفيحة المازوت بحوالى 16 الف ليرة وعلى أساس 8000 ليرة كسعر لصرف الدولار الواحد. هكذا، وبين ليلة وضحاها اصبح المواطن امام قيمة سوقية جديدة للكيلواط/ ساعة بلغت 591 ليرة بعدما كان سعره في شهر حزيران 498 ليرة.
أوساط متابعة تشدّد لـ”نداء الوطن” على ان “حاجة السوق من مادة المازوت متوفرة، حيث يستورد لبنان راهناً اكثر من حاجته السوقية المحلية من الديزل أويل اي المازوت. ومن جهتها التزمت الشركات الخاصة المستوردة بقرار مصرف لبنان الذي وضع هامشاً للكمية المسموح استيرادها مع سقف التحويلات المخصصة لهذه الغاية، الا انه عاجز عن ضمان تحاشي التأخير في فتح الاعتمادات. بدورها، الوزارة في طور وضع آلية محددة تمكّن أصحاب المولدات الكهربائية من الحصول على الكوتا التي تكفي حاجاتهم بالتعاون مع المديرية العامة للامن العام. كلّ ذلك يعني ان لا ازمة شحّ في مادة المازوت. لكن ما يجري هو قيام “بعض” الموزعين المهيمنين والمستحوذين على المادة الخضراء بحجبها لتخزينها وإعادة بيعها في السوق السوداء، وهو ما يحول دون تمكن أصحاب المولدات من تسلمها وفقاً للسعر المدعوم (17 الف ليرة). لكن، ورغم الاجحاف “النسبي” الذي يتعرض له اصحاب المولدات الخاصة يقوم طرف ثالث منهم باستغلال الأزمة لتكديس الأرباح، من دون ان ننسى سنوات الأرباح الخيالية التي كان يسجلها هذا القطاع”.
بالنتيجة سيسدد المواطن فاتورة أصبحت كالآتي: 20 الف ليرة لكل 5 امبير و30 الف ليرة للـ 10 امبير و40 الفاً لكل 15 امبير بالإضافة الى 5000 ليرة إضافية عن كل 5 امبير. كلّ ذلك بسبب تحكم “موزعين” ذوي محسوبيات سياسية، يقومون بالتسعير على هواهم علماً ان المديرية العامة للامن العام تلاحق عملية التوزيع فور خروج الصهاريج من خزانات الشركات والمنشآت لحين تفريغها في المحطات. لكن بعد ذلك، يصرّف الموزعون البضاعة بلا حسيب ولا رقيب حيث لامس السعر الأسبوع الماضي حدود الـ28 الف ليرة مع الاشارة الى ان سعر صفيحة المازوت في المنشآت 11.500 ليرة، يُضاف اليه 10٪ من ثمن البضاعة الأساسي بالدولار الأميركي الى جانب كلفة النقل والتوزيع لتكون التسعيرة في المحطات 16.800 ليرة كحد اقصى.
في المحصلة، المواطنون غير مستفيدين من سياسة دعم المازوت التي تمتص ما تبقى من احتياطيات لدى البنك المركزي بحيث تقوم الدولة بشراء الطن بـ 400 دولار أميركي لتسلّمه بـ 128 ليراكم “المهرّبون” ارباحاً طائلة فيما المواطنون في أعتم حال.