في حين يغرق لبنان في ظلام دامس، وتخبّط حكومي بأزمة الكهرباء، ظلّت مدينة زحلة والقرى المُجاورة “تُشعشع” بأنوار شركة كهرباء زحلة 24/24، بسعر غير خاضع للإبتزاز، كما أصحاب المولّدات في باقي المناطق، فتتوازى الفاتورة مع أصحاب الدخل المحدود، ليصل فارق كلفتها بين الشركة والمولّدات الى40 في المئة. وفيما لبنان في قلب”المعمعة”، تراوح حكومة حسان دياب في فشلها بحلّ الأزمات الأساسية من معيشية وكهربائية. ولأنّ الكهرباء هي حياة الإقتصاد والصناعة، يُصرّ صندوق النقد الدولي ومجموعة “سيدر” على شروط تنفيذ الإصلاحات وحلّ مشكلة الكهرباء لوقف مزراب الهدر، لكن وزير الطاقة والمياه ريمون غجر سارع الى الإعلان عن نيّته، كما يريد جبران باسيل، استرداد عقد تشغيل كهرباء زحلة الى كنف وزارة الطاقة فور انتهاء مدّة العقد في 31/12/2020، وذلك في ذروة عجز الوزارة عن تأمين التغذية بالتيار الكهربائي لساعتين، وفي إدارة توزيع المازوت المدعوم وتسليمه ومنع احتكاره وتهريبه، واعتراف الوزير نفسه بعجزه عن معرفة أين تذهب كمّيات المازوت، ممّا ولّد مشكلة كبيرة لدى المزارعين والصناعيين، فساهمت شركة كهرباء زحلة في حلّ جزء منها من خلال تحويل عمل مضخّات المياه والمعامل من مادة المازوت الى العمل على الكهرباء التي تؤمّنها الشركة، ممّا ساعد في حلّ مشكلة تأمين المازوت. لذا كان تصريح وزير الكهرباء باسترداد عقد التشغيل، أشبه بكلمة السرّ لكي تثور حفيظة أهالي 17 قرية ومدينة في زحلة، تخضع جميعها لنِطاق عمل شركة كهرباء زحلة، وتشكّل أكثر من70 ألف مشترك، ما مُعدّله 300 ألف نسمة. فاستعدّوا لمواجهة أي خطوة في استرداد عقد التشغيل، ما لم تُثبت الدولة قُدرتها على الإستمرار في إنتاج الطاقة 24 ساعة في اليوم، في مناطق لا تخضع للشركة.
أولاً، لأن شركة كهرباء زحلة هي الشركة الوحيدة في لبنان التي وصلت جبايتها الناجحة الى 98 في المئة.
ثانياً، لأنّ الفاتورة الشهرية أقلّ بـ40 في المئة من فاتورة المولّدات الخاصة.
وثالثاً، لأنّ قسم الصيانة نجح في أحلك الظروف بالعمل على إصلاح الأعطال خلال الحروب والعواصف الثلجية بسرعة قياسية، ودام إصلاح أكبر عطل ثلاث ساعات.
هكذا تأتي مواجهة باسيل لتجربة ناجحة، في ظلّ عجز واضح لدى وزارة الطاقة عن إدارة ملفّ الكهرباء، بعدما وصلت ساعات التغذية بالتيار الى صفر، وفي أحسن الأحوال الى ساعة في اليوم. ومع حلول الطقس الحارّ، ووصول درجات الحرارة في البقاع الى 45 درجة مئوية، انكشف أنّ القرى التي لا تخضع لشركة كهرباء زحلة غرقت في الظلام الكلّي، بعد تقنينين قاسيين: تقنين في كهرباء الدولة ساعة تغذية في اليوم، وفي أحسن الأحوال وصلت الى ساعتين كل 12 ساعة، وتقنين آخر للمولّدات، كل ست ساعات تغذية بشكل متواصل قطع ثلاث ساعات.
وحدة بقاعية
وأمام هذا الواقع الكهربائي المرير يتوحّد البقاعيون، مواطنين وسياسيين، باستثناء عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب سليم عون، في رفضهم لأن تستردّ الدولة عقد التشغيل، لعدم ثقتهم بأنّ الوزارة قادرة على تشغيله وتأمين الطاقة 24 ساعة، وصيانة ناجحة وفولتاج مستقرّ. وعن انعكاس هذه التجربة على المواطنين، وتحديداً على ذوي الدخل المحدود، يؤكّد الناشط ابراهيم الشوباصي أنّ “كلفة الفاتورة إنخفضت ضعفين، خصوصاً عند ذوي الدخل المحدود منذ بدء الشركة بالإنتاج، وتوحّدت في فاتورة واحدة، تفصل بين عدد ساعات التغذية بتيار الدولة، وعدد ساعات التغذية بتيار الشركة، وهكذا أصبحت الفاتورة شتاء وصيفاً في حدّها الأقصى لمنزل مؤلف من 4 غرف لا تتجاوز المئة الف ليرة، وهناك عائلات لا تصل فاتورتها الى50 الف ليرة”، وقال: “بحكم عملي كإعلامي ميداني، الكهرباء بالنسبة للناس هي كالهواء والماء، وفي حال أصرّت الحكومة على استرداد العقد، لن يسكت البقاعيون انتزاع تجربة أثبتت نجاحها في تأمين 24 ساعة كهرباء، ليعودوا الى التقنين ويضعوا رِقابهم تحت مقصلة جشع أصحاب المولّدات”.
وعن مدى تأثّر القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية بفقدان مادة المازوت المدعوم، والتحوّل الى استعمال الطاقة، أكد الصناعي الزراعي نزيه البقاعي لـ”نداء الوطن”: “أنّ تجربة كهرباء زحلة ناجحة”، وقال: “كنا نعوّل أن تُعمّم تجربة الشركة على باقي المناطق، لا أن تُعمّم وزارة الطاقة فشلها على كهرباء زحلة”، وأشار الى مشكلة المزارعين في ري مزروعاتهم بعد فقدان مادة المازوت المدعوم ووصول سعر الصفيحة الى 35 ألف ليرة وارتفاع سعر الدولار وبالتالي ارتفاع كلفة تصليح الأعطال للمولّدات، كون قطع الغيار يتم شراؤها بالعملة الصعبة، “ولأنّ لدينا كهرباء على مدار الساعة توجّهنا الى الريّ عبر مضخّات تعمل على الكهرباء”. وقال: “بدل وضع يدهم على كهربائنا الناجحة، يروحوا يضوّوا “الداون تاون” والمناطق السياحية، جرّصونا”.
معلوف: نموذج أفضل الموجود
وفي هذا الإطار، أعرب عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب سيزار المعلوف عن “استيائه من حكومة حسان دياب ووزرائها، لأن يعبّروا عن استرداد عقد تشغيل كهرباء زحلة”. وقال لـ”نداء الوطن”: “كهرباء زحلة نموذج لا نودّ تعميمه على كلّ لبنان، ليس هو أفضل المطلوب، إنّما هو أفضل الموجود، لأنه يساوي جميع خطط وزراء الطاقة منذ عشر سنوات، ولأنّ لا ثقة لدينا بهذه الحكومة، وستبقى كهرباء زحلة 24/24، ليذهب غجر ويضع هيئة ناظمة وبعدها يحقّ له الحديث عن القوانين”.
نكد: تحت سقف القانون
من جهته، أكّد مدير عام شركة كهرباء زحلة أسعد نكد أنّ الشركة تحت سقف القانون في حال أرادت مؤسسة كهرباء لبنان استرداد العقد”، وقال: “لن نتأخر في تأمين الكهرباء طالما الشركة تقوم بالتشغيل، بسعر متدنّ عن سعر المولدات”، وأوضح أنّ “عقد التشغيل ينتهي في 31/12/2020 وما قاله الوزير ليس نهائياً بل وضع 3 احتمالات: الأول استلام كهرباء زحلة، والثاني وضع دفتر شروط، والثالث تجديد العقد مع شركة كهرباء زحلة.
وفنّد نكد انه “في حال استلمت الدولة كهرباء زحلة، تلقائياً يفسخ العقد مع الشركة البريطانية، وبالتالي تعود المولّدات الى الشركة، وفي حال أرادت الوزارة الإتّفاق مع الشركة تكون ضمن دفتر شروط وتسعيرة جديدة، وهذا يُرتّب على وزارة الطاقة أكلافاً إضافية تُضاف الى كلفة الفاتورة”.
وأردف: “حتى تكون قراراتهم ناجحة، ليسألوا الناس اذا كانوا مع كهرباء زحلة أو لا يريدونها، وليتمّ اتخاذ القرار بناءً على ما يريده البقاعيون الخاضعون لنطاق عملنا”. وتابع: “أنا مع الطاقة المُتجدّدة النظيفة، شمسية وهوائية، وهذا عمل متطوّر لكنّه يحتاج الى وقت”. واعتبر نكد أنّ “أهمية النجاح في المشاريع هي في إشراك المجتمع المدني في الرأي، لأنّه عنوان للتجدّد”. وعن تحرّك الشارع البقاعي قال نكد: “أوّل تظاهرة كسرت الحواجز الطائفية والمذهبية والتجاذبات السياسية، هي التظاهرة التي خرجت في زحلة وفي كل القرى المجاورة، من أجل الكهرباء وحماية مشروع الـ 24/24 الذي أمّنته الشركة، واليوم المجتمع المدني نفسه لن يسمح بالعودة الى التقنين”.
وشرح أنّ “وزير الطاقة لديه عمل كبير، لأنّ قضية الكهرباء اليوم أهمّ من “كورونا”، العالم كله ينتظر من هذه الحكومة إجراء إصلاحياً لملفّ الكهرباء، من صندوق النقد الدولي و”سيدر” وغيرهما”.
ليختم: “الكهرباء هي سرّ الحياة، واذا توقّفت الكهرباء يتوقّف البلد، يتوقّف الإقتصاد الصناعي والزراعي. يجب إنشاء طاولة حوار لحلّ مشكلة الكهرباء، وهناك كثير من الآراء لحل مشكلة الكهرباء، ولا أحد يستطيع أن يقول أنّه قادر على تأمين الكهرباء، لأنّنا نحتاج الى 5 سنوات لإنتاج الكهرباء في حال بدأنا من اليوم، وخلالها كيف يُمكن للبنانيين أن يعملوا للوصول الى المرحلة النهائية في تأمين الإنتاج”؟