يواجه ملف النفط والغاز اللبناني تحديات متعددة، اذ تكاد المشاكل تحيطه من كل حدب وصوب. فلبنان اثبت حتى الآن انه ليس راشد نفسه، وغير قادر على حماية مصالحه ليس فقط في ملفط النفط انما في ملفات حساسة عدة.
وفيما تتقدم بلدان المنطقة بخطوات جبارة كرّستها قبرص بإكتشاف حقل غاز ضخم مؤخراً، تعلو الاصوات المحذرة من نشاط للعدو الاسرائيلي قد يقوده الى الاعتداء على ثروة لبنان النفطية نظراً لخزانات النفط المشتركة والأجسام الممتدة من الجنوب اللبناني والحدود البحرية اللبنانية إلى شمال فلسطين المحتلة .
ومن الواضح ان لبنان الذي خطا عام 2017، أولى خطواته في طريق الألف ميل لدخول النادي النفطي عبر تلزيم بلوكين من النفط، اصابه الكسل في مكان ما، اذ لم تدب النجاحات التي حققها جيرانه النشاط في مفاصله، بل على العكس بقي اداؤه على المستوى نفسه من البطء الشديد الذي رافقه طيلة السنوات الماضية.
لقد بات من واضحاً ان الازمات الداخلية الشبه متواصلة تستنزف امكانيات لبنان على مختلف الصعد ، اذ اشار الخبير الاقتصادي في النفط والغاز الدكتور فادي جواد في رد على سؤال عما اذا كان تأخير تشكيل الحكومة في الفترة السابقة قد ابطأ العمل في ملف النفط والغاز، ان الازمة الحكومية جمدت كل الحركة الاقتصادية في لبنان.
واذ اعتبر انه “ليس بمقدور لبنان ان ينأى بهذا الملف عن الخلافات السياسية اذ ان كل شيء في لبنان مسيس وخصوصا بوجود مصالح نفطية بهذا الحجم”، امل “اعطاء هذا الملف الزخم المطلوب لأنه اصبح من الخطر التأخر في السير به قدما وبسرعة اكبر”.
عمليات الحفر.. متى تنطلق؟
وفي الواقع، ان البطء الذي يسير فيه لبنان لا يدل الا على غياب حس المسؤولية في مقاربة الشؤون المهمة للبلد، فمنذ عامان اكدت المعلومات ان عملية التنقيب ستستغرق سنتين أو ثلاث سنوات، وفي حال جرى حفر آبار تجريبية وظهرت مؤشرات عن وجود كميات من النفط والغاز ذات جدوى اقتصادية، ستبدأ عملية التطوير التي تستغرق 3 أو 4 سنوات قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري في عامي 2026 او 2027، وعندئذ يصبح لبنان عضواً مرحباً به في النادي النفطي أو نادي الغاز في العالم. الا ان يبدو هذا الواقع غائب في لبنان الذي يتنامى فيه دينه بشكل مريع، اذ لا يبدو ان هناك من يعلم ان لبنان لا يملك ترف التلهي والتريث والإنتظار.
ولفت جواد الى ان “عمليات الحفر سوف تبدأ بالربع الاخير من 2019، وهناك التزامات متبادلة بين الدولة اللبنانية وكنسورتيوم دول التحالف، بالاضافة إلى غرامات التأخير التي قد تتكبدها شركات التحالف وليس من مصلحة الطرفين اي تأخير وخصوصا مع ارتفاع الطلب العالمي على الغاز ” .
واشار جواد في اطار حديثه عن “المخزون الموجود من الثروة النفطية اللبنانية ان هناك ارقام متعددة، ولكن الرقم الاقرب للواقعية لا يتعدى 32 تريليون قدم مكعب وهي ثروة تتعدى 200 مليار دولار”، واعلن ان “المعطيات يمكن ان تتغير اذا ما تم اكتشاف مكمن نفطي يتجاوز حجم التوقعات مثلما حصل في حقلي زهر وشروق في مصر” .
وعلى رغم ان الانطلاقة الحكومية بدت متعثرة بعض الشيء، الا ان وجود حكومة يتوقع لها العمر المديد قد يبشّر بمتابعة جدية لملف النفط والغاز. وتوقع جواد انه “خلال هذه السنوات الاربع القادمة ان يشهد الملف تطورات مهمة، تتمثل ببوادر الكميات المستكشفة في الرقعتي 4 و9، ترسية للمرحلة الثانية لرقع اخرى مع تحالف مختلف من الشركات العالمية، وبدء العمل على معامل الكهرباء التي تعمل بالغاز والتي بنهايتها سنشهد انطلاق مرحلة اخرى للتلزيم وبروز ارقام فعلية من باطن الارض” .
مشاكل جوهرية تعترض لبنان
ولا يعني بدء جني ايرادات النفط معالجة مشاكل لبنان المالية المتازمة، ففي ظل الحديث المتواصل عن خلل في اداء مؤسسات الدولة وفساد وصلت براثنه الى كل مكان وتبخّر مليارات الدولارت، قد يتكون خوف حقيقي على عائدات النفط، لا سيما ان الخلاف حتى يطال كيفية استثمار هذه العائدات بين سد الدين او في الاستثمارات وتحسين حياة اللبنانيين عبر اتباع خطط تنموية يشكك البعض في امكانية تنفيذها وفعاليتها لا سيما ان التوجه التنموي العام في لبنان وسلوك الحكومات السابقة في هذا المضمار لا يبشّر بالخير. واعتبر جواد انه طمن الضروري العمل على استثمار الاموال المتدفقة من النفط والعمل على جدولة الدين وسده عبر الفوائد ومن المشاريع المشتركة بين القطاع الخاص والعام في مشاريع صناعات البتروكيماويات “.
وتضاف مشاكل جوهرية الى سجل لبنان كبلد ينتظر التحول الى بلد نفطي لناحية عدم ربط الدراسات الجامعية بسوق العمل وعدم وجود قوانين كافية قادرة على رعاية هذا الملف. وقال جواد في هذا الاطار: “يعمل المشرعون على اعداد عدد من القوانين الني تسيّر عمل القطاع وتحمي الثروة الوطنية. اما بالنسبة لليد العاملة فلا يوجد شخص واحد مهيء للعمل في هذا القطاع مع اهمال متعمد من جانب الدولة لوضع خطة وطنية لتأهيل الكوادر الوطنية، فبالحد الادنى يجب ان يتم العمل على تأمين يد عاملة من حملة الشهادات المهنية يسمح لشركات التحالف توظيفها !
النفط .. نعمة اقتصادية عظيمة
رغم كل الاخطار المحدقة، يبقى وجود ثروة نفطية في لبنان امر مهم، اذ ستحمل آثاراً إيجابية وكبيرة على الاقتصاد، حيث سترتفع العمليات الاستثمارية، وستتضاعف فرص العمل وسيكون هذا الاكتشاف نعمة على كل اللبنانيين، وستطال آثاره القطاعات كافة.
واوضح جواد ان “اكتشاف النفط في لبنان سيفسح المجال امام ظهور صناعات جديدة لم تكن موجودة سابقا، وتواجد عمالة اجنيبة مقيمة بشكل دائم”. واشار الى ان ذلك “سوف يؤثر على الناتج المحلي وعلى معدلات النمو والدخل الفردي وسوف يعزز فرص الريادة في الاعمال وفتح الطريق لإنشاء مؤسسات وشركات لخدمة هذا القطاع الذي سوف يشكل حركة اقتصادية لم شهدها لبنان سابقاً “.
وفي رد على سؤال، اكد جواد ان “الطلب على الغاز سيتضاعف عالمياً وسيرتفع من 250 تريليون الى 500 تريليون قدم مكعب في السنوات القادمة كما سيرتفع سعره بشكل تدريجي .”