قانون يُعرِّف بالإقتصاد الإجتماعي ويُصنِّف مؤسساته

وسط الموجة المتصاعدة لـ»لإقتصاد الاجتماعي التضامني»، الذي يشمل الجمعيات والتعاونيات وصناديق التعاضد ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وجهود معظم البلدان المتقدّمة فيه غربياً وعربياً لوضع الإطار القانوني الذي يسمح بالتعريف به وإعطائه «علامة تميّز» تؤكّد إلتزامه بجملة مبادئ خاصة به وتزيد الثقة بالتعامل معه وتمويله من مختلف الجهات المهتمة.

لا يزال هذا الموضوع جديداً بين المسؤولين وأصحاب الشأن في لبنان. ولا زالت ثمة أسئلة مثل: ماذا يعني «الاقتصاد الاجتماعي التضامني»؟ ولماذا تمييزه عن القطاعين العام والخاص واعتباره «قطاعاً ثالثاً»؟ لماذا وضع إطار قانوني جامع لتسميته وإعطائه علامة خاصة طالما توجد قوانين خاصة بكل من مكوّناته المعروفة؟

يُعرَّف «الإقتصاد الاجتماعي التضامني» أيضاً بـ»القطاع الثالث» كونه مستقلاً عن القطاع العام ويختلف بمبادئه عن الغاية الربحية البحتة من جهة، وعن أساليب إدارة القطاع الخاص من جهة أخرى. ويقوم نشاط «مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني» على مبادئ التضامن، والمنفعة الاجتماعية، الاستقلالية عن الدولة، حرّية الانضمام أو العضوية كما حرّية الانسحاب، طرق إدارة تشاركية وديمقراطية حيث لكل عضو صوت، بدل أن تكون الأصوات وفق حصص الرساميل وتراقب بحزم استخدام الفوائض المالية، كونها بالأساس لا تستهدف تحقيق الأرباح بقدر ما تستهدف خدمة المجتمع وتحفيز التنمية الإقتصادية الاجتماعية/ تحسين مستوى العيش، دمج الفئات المهمة والمساهمة في العدالة الاجتماعية.

ويتبيّن أنّ هذا القطاع الاقتصادي منظم قانونًا في دول النظام الأنغلوسكسوني ويسمّى «اقتصاد الأعمال الاجتماعية» والقطاع غير الربحي Non Profit Sector، وموجود أيضًا في دول كالهند والصين ويسمّى «الاقتصاد الشعبي»، وموجود أيضًا في الدول الأوروبية اللاتينية ويسمّى الاقتصاد التضامني الاجتماعي Economie Sociale et Solidaire.

في بعض الدول توجد قوانين تنظّم هذا القطاع وآليات دعم مميزًة خاصّة به، فيشمل القانون تنظيم المبادرات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وصناديق التعاضد والتعاونيات والجمعيات ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وفي بعض التجارب الدولية يمكن أن نستشعر أوجه المراعاة القانونية لهذه المؤسسات.

والمعروف حديثاً أنّ ثمة تشريعات كثيرة بدأت تتناول القطاع الثالث، من أبرزها مثلاً في فرنسا إقرار «قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» في البرلمان في 21 تمّوز 2014، وقد عرف هذا التشريع بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» Loi ESS

هذا التشريع واكب انطلاقة استثنائية للقطاع الثالث في فرنسا وأوروبا كما في العالم بأسره بسرعة خيالية بدأت تضاهي سرعة تطوّر القطاعات التقليدية المعروفة.

فمثلاً، منذ العام 2000 وحتى اليوم، ازداد في فرنسا خلق فرص العمل والتوظيف في القطاع الثالث بحدود 24% ليضمّ 2.4 مليون موظّف في 200000 مؤسسة ضمن الاقتصاد الاجتماعي، مقابل ازدياد التوظيف في القطاع الخاص 4% فقط.

على الصعيد الأوروبي، يشمل الاقتصاد الاجتماعي حوالى 10% من مجموع المؤسسات، ويوفّر 6.5% من فرص العمل المدفوعة، من خلال انتشار حوالى مليوني مؤسسة توظّف 14 مليون شخص، وقد ازداد عدد العاملين في هذه المؤسسات بشكل كبير واستثنائي في مجمل أوروبا في السنوات الأخيرة. علماً أنّ البلدان الأوروبية لا تعرف المستوى نفسه في تطوّر الاقتصاد الاجتماعي، لا بل يمكن تصنيفها في هذا المجال وفق ثلاث فئات: فئة الأكثر تقدّما في مجال الاقتصاد الاجتماعي (فرنسا، بلجيكا، اليونان، البرتغال، ايرلندا)، الفئة المعتدلة (إيطاليا، قبرص، الدنمارك، فنلندا، لوكسمبورغ، السويد، ليتونيا، مالطا، بولونيا، بريطانيا، بلغاريا وايرلندا) والفئة الضعيفة (النمسا، تشيكيا، استونيا، ألمانيا، هنغاريا، ليتونيا، هولندا، سلوفاكيا، رومانيا، كرواتيا، وسلوفينيا).

أما في كندا، فقد شهد العام 2013 اعتماد الإطار التشريعي الرسمي المعروف بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي»، على الرغم من أن هيكلياته كانت موجودة قبل ذلك، إلا أنّ الإطار القانوني عكس تعريفاً بوجود مؤسسات تنتمي الى «قطاع ثالث» له مبادؤه الخاصة وإقرار رسمي بدوره في التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وحرصاً على دعمه.

عربياً، «الاقتصاد الاجتماعي» يشهد تنامياً متصاعداً، وقد دخلت التعاونيات بالمفهوم القانوني، المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين وبات عددها يفوق الـ30000 تعاونية تقريباً معظمها زراعية ومن أبرزها التجربتان العراقية واللبنانية.

في العراق، أُنشئ الاتحاد العام للتعاونيات العام 1971 ليتمكّن في غضون 10 سنوات من تحقيق استقلاليته المالية والإدارية في الحكومة ويضمّ 16 اتحاداً تعاونياً و881 تعاونية محلية، و221 تعاونية استهلاكية و49 تعاونية متخصّصة وثلاث مزارع جماعية. واليوم تبرز تونس في طليعة البلدان العربية المنظّمة من جهة لـ»الاقتصاد الاجتماعي التضامني» وإعطاء مؤسساته «علامة تميّز» ومن جهة أخرى لجهة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وقد أصبحت مثالا للعديد من البلدان العربية لتحذو حذوها.

أما في لبنان، فقد بدأ العمل التعاوني العام 1937 ولم يتّخذ إطاراً قانونياً إلا في العام 1964 مع صدور قانون للجمعيات التعاونية. ومنذ العام 1973 تتولّى المديرية العامة للتعاونيات الحركة التعاونية والحركة التعاضدية في لبنان خصوصاً في ما يتعلّق بنشرها وتطويرها وتقديم الارشاد للجمعيات التعاونية واتحاداتها وصناديق التعاضد واتحاداتها. وقد بلغ عدد التعاونيات عام 2010 في لبنان 1400 تعاونية و799 منها في القطاع الزراعي في مختلف المناطق.

يعرّف القانون الجمعية التعاونية بأنها كل جمعية تتألف من أشخاص ولها رأسمال غير محدود، وتُؤسس وفقاً لأحكام هذا القانون، ولا يكون هدفها الأساسي الربح، حتى لو انها تسمح بطبيعة عملها توزيع جزء من الفوائض المالية بين الأعضاء وفق مبادئ التكافل، وتكون غايتها تحسين حالة أعضائها اقتصادياً واجتماعياً، وذلك بتضامن جهودهم وفقاً للمبادئ العامة للعمل التعاوني.

إذا كانت مؤسسات وهيكليات قطاع الإقتصاد الإجتماعي التضامني متعدّدة، إلّا أنّ أبرزها في لبنان تبقى الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية التي يتنامى عددها منذ العام 2010، وقسم كبير منها ناشط بالتعاون مع وزارات عديدة لا سيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية، بين الاهتمام بالرعاية بالأطفال والمسنّين وشؤون المرأة في السجون، ذوي الحاجات الخاصة، وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة والتنمية الشاملة، فضلاً عن التعاونيات المهنية وصناديق التعاضد المسجّلة لدى وزارة الزراعة والأندية المسجّلة لدى وزارة الشباب والرياضة.

ويساعد في ذلك، مساحة الحرية المعطاة لإنشاء المنظمات غير الحكومية وإمكانية مباشرة أعمالها بمجرّد إعطائها علماً وخبراً لوزارة الداخلية اللبنانية.
وتبقى الحاجة في لبنان إلى إطار موحّد وجامع لمختلف مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني ضمن منصّة تسهر على التزامها بمبادئ ومعايير الاقتصاد الاجتماعي والتشبيك في ما بينها، وتقدّم لها على أساسها «علامة تميّز» تسمح لها باكتساب ثقة الجهات المموّلة (من هيئات رسمية، شركات خاصة مسؤولة إجتماعياً أو منظمات دولية..) هذه المنصّة لا تمسّ بوجودها القوانين السابقة المرعية الإجراء لكل من مكونات الاقتصاد الاجتماعي إنما تعطيها «بطاقة تعريف» لانتمائها الى قطاع ثالث يتمتع بمبادئه الخاصة المعروفة دولياً وعلامة مصداقية لمن يرغب في دعمه.

بواسطةد. سهام رزق الله
المادة السابقة5 عوامل ستُعيد الخليجي الى لبنان
المقالة القادمةأميركا تهدد أوروبا… وتفتح ذراعيها لبريطانيا