ينما قفز سعر صرف اليوان الصيني في أسواق العملات بمراكز الأوفشور مقابل الدولار، مستفيداً من اتصالات جرت بين مسؤولين صينيين وأميركيين حول “اتفاق المرحلة 1” التجاري بين البلدين، دشن البنك المركزي الصيني رسمياً أمس الثلاثاء، عملته الرقمية لتصبح الصين بذلك أول دولة تطلق عملة رقمية أو مشفرة في العالم.
وحسب ما ذكرته مجموعة “يوان باي غروب” الصينية، فإن “اليوان الرقمي” دشن بسعر “0.24 يوان”. و”يوان باي غروب”، منصة دفع حكومية تابعة للبنك المركزي الصيني، قامت بتطوير العملة المشفرة الجديدة.
ويعد اليوان الرقمي بهذا السعر الذي أعلنته منصة “يوان باي غروب”، رخيصاً جداً مقارنة بسعر العملات المشفرة الأخرى التي يتم التعامل عليها في الصين، إذ بلغ سعر عملة بتكوين، الأكثر تداولاً في البر الصيني 65.366 يواناً. كما بلغ سعر عملة ” ايتيريم” 1.362 يوان، وذلك وفقاً للأسعار التي نشرها موقع بتكوين. دوت كوم أمس الثلاثاء.
ويرى معهد الأبحاث العالمي “اتلانتك كاونسل” في تقرير صدر يوم الإثنين، أنه على الرغم من الفوائد الجمة التي توفرها العملة الرقمية للبنك المركزي الصيني، فإنها ستمنح الحكومة الفرصة لتشديد الرقابة على التحويلات المالية ومشتريات المواطنين. وهذا العامل ربما لا يروق للمواطنين وقد لا يشجعهم على استخدام العملة الرقمية الجديدة.
واستخدم المركزي الصيني “تقنية البلوكتشين” في التأسيس للعملة الجديدة التي استأنف أولى تجارب استخدامها في شهر إبريل/ نيسان الماضي. وشملت التجارب الأولى التي أجراها البنك المصارف التجارية الكبرى بالصين، وثلاث شركات اتصالات محلية وثلاث سلاسل مطاعم أميركية في المقاطعات الصينية، وهي مطاعم ماكدونالدز و”صب واي” ومقاهي ستاربكس.
والصينيون من أكثر الشعوب في آسيا مضاربة على العملات المشفرة، خاصة الشباب وأصحاب الأعمال الصغيرة، وبالتالي تسعى الحكومة الصينية، عبر العملة الرقمية الجديدة، إلى سحب زبائن العملات الرقمية العالمية المتداولة بالسوق الصيني والمساهمة في تسويق اليوان في منطقة جنوب شرقي آسيا ودعم سعر صرفه، وهي تخوض حرباً شرسة من حروب الصراع التجاري والمالي مع واشنطن.
وحسب رئيس استراتيجية النمو في شركة “زيليكا” الأميركية المتخصصة في تقنيات “بلوكتشين”، كينيث بوك، فإن نحو 96% من سكان الصين يستخدمون الدفع الإلكتروني في تسديد مشترياتهم من المتاجر ودفع الفواتير. كما أن الصين تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث استخدام الدفع الإلكتروني في تسوية حسابات المشتريات عبر الهواتف النقالة. وهذه الميزات، إضافة إلى رخص السعر، ربما ستكون في صالح تسويق اليوان الرقمي.
وفي هذا الشأن، توقع رجل الأعمال البريطاني، ريتشارد برانسون، أن “يخلق اليوان الرقمي عدداً كبيراً من المليونيرات الجدد بين ليلة وضحاها”.
كما تأمل الصين كذلك عبر تدشين “اليوان الرقمي” وقف نزيف المليارات من الدولارات التي تهرب سنوياً من البلاد عبر مشتريات “العملات المشفرة”. وحسب تقرير نشره موقع “بتكوين. كوم”، فإن نحو 50 مليار دولار هربت من الصين خلال الـ 12 شهراً الماضية. وتعد منطقة جنوب شرقي آسيا من أكبر أسواق العملات الرقمية، إذ بلغت حصتها نحو 31% خلال الـ 12 شهراً الماضية.
ويستغل المواطنون في الصين العملات الرقمية لزيادة تحويلاتهم الدولارية للخارج، إذ لا يسمح القانون الصيني للمواطن بتحويل أكثر من 50 ألف دولار للخارج في العام. ويتحايل الأثرياء على هذا القانون عبر مشتريات العقارات في الدول الغربية وإنشاء شركات وهمية تسمح لهم بإصدار فواتير وهمية، كما يتحايل المواطنون العاديون بمشتريات “العملات الرقمية”.
ويقول معهد “اتلانتك كاونسل” في دراسة مشتركة مع جامعة هارفارد حول العملات المشفرة، أن الولايات المتحدة تفكر كذلك في إصدار “دولار رقمي”. ولدى بنك التسويات الدولية الذي مقره في سويسرا، ويعد بنك البنوك المركزية، مشروعاً تجريبياً لإصدار العملات الرقمية مع العديد من البنوك المركزية العالمية. وفي حال نجاح مشروع العملة الرقمية الصينية، فإن العديد من دول العالم ربما تنشئ عملات رقمية خلال السنوات المقبلة.
ووسط الضغوط المتنامية التي تواجهها بكين من إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يعمل على عزلها دولياً، تسعى الصين إلى زيادة حصة عملتها في التسويات التجارية العالمية عبر “اليوان الرقمي” وكذلك تقليل استخدام الدولار.
وحسب إحصائيات بنك التسويات الدولية، فإن حصة اليوان في سوق الصرف العالمي لم تتجاوز 4.3% مقارنة بالعملات الأخرى في العام الماضي 2019، ولا تزال العملة الصينية في المرتبة الثامنة بين العملات العالمية الأكثر تداولاً. وتقدَّر قيمة تداولات سوق الصرف العالمية اليومية بنحو 6.6 تريليونات دولار.
ويذكر أن اليوان الورقي حقق قفزات كبرى في أسواق الصرف خلال الشهر الجاري، إذ بلغ أعلى مستوياته في سبعة شهور مقابل الدولار في يوم الجمعة الماضي. وتم تداوله في مراكز الأوفشور أمس الثلاثاء لدى سعر 6.9 يوان مقابل الدولار مقترباً بذلك من سعره في البر الصيني الذي يحدده البنك المركزي، واستفادت العملة الصينية في ارتفاعها خلال الشهر الجاري من البيانات الإيجابية لمعدل النمو الاقتصادي في الصين وتدفق الاستثمارات على سوق الأسهم والسندات. وتسفيد أسواق المال الصينية من التوسع المستمر في الطبقة الوسطى وتزايد المنتجات الجديدة في أسواق التقنية وإصدارات الشركات الجديدة.